للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما وافقهم المصابون بدائها من المتكلمين المنتسبين للإسلام على هذا - بغض النظر عن حسن النية وسلامة الدافع لدى بعضهم - وأدخلوا الإسلام ضمن المعتقدات القابلة للنظر والنقد، وفتحوا باب المعارضة المفتعلة بين المعقول والمنقول، وجعلوا المعقول المزعوم هو الأصل (١)؛ حصل بذلك من الضلالات والانحرافات والنكبات في دين الأمة ودنياها ما يعجز التاريخ عن حصره.

هكذا سلَّم الأشاعرة تبعًا للمعتزلة أن الإيمان بالله ورسوله بدون النظر العقلي - على الصفة التي اشترطوها - إنما هو تقليدٌ محضٌ، حتى صرح أبو حامد الغزالي - وهو من أخفِّهم في القضية - أن (جميع عقائد العوام مباديها التلقين المجرد، والتقليد المحض) (٢).

ثم قالوا: كيف يصح التقليد في العقيدة وهي أصل الدين؟. وقالوا: بماذا ندفع قول الفلاسفة المعطلين - القائلين بقدم العالم - في قولهم: إن المسلم لو ولد في دار النصرانية لكان نصرانيًّا، ولو ولد في دار المجوسية لكان مجوسيًّا، لكن لما ولد في دار الإسلام صار مسلمًا، وإنما آمن كل واحدٍ بما وجد عليه قومه، وإن المسلم إذا واجهته الأدلة العقلية ربما كفر أو شك؟.

من هذا الموقف الانهزامي الدفاعي، ومن اعتبار قضية إثبات


(١) انظر تقرير هذا الموضوع في فصل (مصدر التلقي) الآتي.
(٢) إحياء علوم الدين (١/ ١٦٢) طبعة الشعب، وكلامه في الحقيقة متناقض مع أنه مناقض لما ذكره في (ص١٤٨) من الكتاب نفسه.

<<  <   >  >>