للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في متاهات الماضي ما يقيهم شر غوائل المستقبل، ولعل في خبايا القرون الخوالي كوة صغيرة ينفذ منها اللاهثون العصريون إلى بر الأمان.

لقد كانت أوروبا القرن التاسع عشر تدين بالعقلانية، والإطلاق بعقلانية لا تتردد في تفسير أي شيء، وإطلاق لا يستثني من قواعده الصارمة شيئًا، فلما صدمتها السنن الربانية الثابتة، وعصفت بها التحولات الخطيرة حتى أشرفت على الهاوية، عادت إلى مذاهب (اللامعقول) (١)، التي يرفض أن يضبطه شيء، والنسبية التي تأبى كل أحكام العموم والإطلاق، حتى أن مذهبًا إطلاقيًّا حتمًا - كالشيوعية - تراجع من الحلم بالسيطرة على معظم العالم في الستينيات يصبح في نهاية الثمانينيات رأسمالية حمراء.

وبتبني اللامعقول، والنسبية؛ انتكست أوروبا من جديد، وأعلنت - وهي في قمة السيادة الحضارية - إفلاسها وانهيارها، واختبأ روائيوها وشعراؤها وعامة أبطال فكرها وفنّها في أقبية الجاهلية اليونانية الهالكة، يحتمون بظلامها وظلالها من لظى الأفكار المادية المهترئة، والشعارات المجدبة، وسعير التطبيقات الرعناء لآراء وضعها في القرن الماضي جهلاء ارْتَدُوا زِيّ الحكماء.


(١) أو (اللاعقلي)، ومن مذاهبه: الروحية (برجسون)، والوجودية (سارتر)، والعبثية (ألبير كامو)، واتجاهات أخرى كالرمزية والسوريالية، وكثير من المدارس النفسية والاجتماعية.

<<  <   >  >>