فالواجب العقلي ما لم يقبل ... الانتفا في ذاته فابتهل
والمستحيل كل ما لم يقبل ... في ذاته ضد ثبوت الأول
وكل أمر قابلٌ للانتفا ... وللثبوت جائز بلا خفا
ويدل على ذلك: أن شارح (الجوهرة) رد على من قال: إن أول واجب هو الإيمان. ومن قال: هو الإسلام بقوله: «وهذان القولان متقاربان مردودان باحتياج كل من الإيمان والإسلام للمعرفة»(١).
فالنظر أو مقدماته أو متعلقاته عند من قال به منهم ما هو إلا بداية للمعرفة، فاتضح أنَّ الخلاف بينهم لفظي، وأن الكل بعيدٌ عن المفهوم السلفي للمعرفة.
والعجب أن التزام الأشاعرة باعتبار النظر أو مقدماته أول واجب عيني على كل مكلف، وتسمية الإيمان الفطري تقليدًا أفضى بهم إلى عدم اعتبار التواتر في مسألة وجود الله كافيًا، بل أخرجوا هذه المسألة في إفادة العلم الضروري من مسمَّى التواتر كما سنوضحه.
وذلك أنهم وافقوا ملاحدة الفلاسفة في عدم اعتبار اتفاق بني آدم - جميعهم من الملِّيين (أتباع الأديان) وغيرهم من المثبتين على وجود الله تعالى وحدوث العالم - مفيدًا للعلم الضروري؛ لأن المقلدين - بزعمهم - مهما كثروا لا يُعْتَدُّ بهم، والناظرون مهما تواتروا لا يُعْتَدُّ إلا بتواترهم على المحسوس.