ولكن الواقع الذي تنطق به كتبهم أنهم في هذا الموضوع أيضًا مخالفون لأهل السنة والجماعة في قضيتين منهجيتين:
الأولى: أن أهل السنة والجماعة لم يقسموا هذا التقسيم، وليسوا بحاجة إليه أصلًا، وذلك لأن التقسيم مبني على مفهوم فاسد عن العقل وعلاقته بالسمع، يقول الجويني بعنوان:(باب القول في السمعيات): «اعلموا وفقكم الله أن أصول العقائد تنقسم إلى ما يدرك عقلًا ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعًا، وإلى ما يدرك سمعًا ولا يتقدر إدراكه عقلًا، وإلى ما يجوز إدراكه سمعًا وعقلًا»(١).
فهذا أصل تقسيمهم الباطل، فأما هضمهم لدور النقل وتضخيم دور العقل إلى حد القول باستقلاله بإدراك أصول العقائد؛ فلن نبحثه الآن، بل نكتفي ببيان المفهوم السلفي للعقل، فالعقل عند أهل السنة والجماعة يشمل العقل الفطري الذي منحه الله لكل بنى آدم، والعقل الاستدلالي النظري الذي يكتسبه الإنسان ويستخدمه العلماء، وبمعنى أهم هو يشمل: البديهية والبصيرة، والحسّ والفهم والتفكير.
فلهذا لم يكونوا بحاجة إلى أن يسموا شيئًا من العقائد (سمعيات) بمعناها عند الأشاعرة؛ لأنه بالمقابل ليس لديهم عقائد تسمى (عقليات) بمعناها عند أولئك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (شرح الأصفهانية). «إن طرق الناس في إثبات العقائد نوعان: سمعية وعقلية». ثم يقرر أن «العقلية