منزلته، ولا هي هضمته دوره، ولا هي ضخمت دوره في جانب، وأهدرته في جانب آخر.
أما الأشاعرة؛ فلما كان العقل العاجز الكليل عندهم، لا يحسِّن شيئًا ولا يقبحه، وأفعال الله تعالى عندهم لا حكمة لها ولا غاية؛ جعلوا الإيمان بهذه الغيبيات من قبيل التفويض إلى النص، أي خبر الصادق كما يسمونه، فهي عندهم مثل وقوف غرابٍ الآن على منارة الإسكندرية، أو جبل قاف، كما عبَّر الرازي والإيجي.
ثم لما كان العقل عندهم هو الحَكَم ومصدر التلقي - وهو مجرد زعم - قالوا:«إن العقل لا يحكم باستحالتها». وجعلوا هذه العبارة شرطًا في كل مسألةٍ من مسائل السمعيات، كما سيأتي في الأمثلة.
فلما حصروا مفهوم العقل فيما ذكرنا مع تحكيمه في كل شيءٍ، أفضى بهم ذلك حتمًا إلى افتعال التعارض بين العقل والنقل، وتخصيص دائرة عمل لكل منهما، مع إطلاق يد العقل في الأصول الكلية، وإشرافه على كلتا الدائرتين.
فظهر التناقض في أصولهم بين تحكيم العقل واستقلاله بإدراك بعض أصول العقائد من جهة، وبين وقوفه في هذه القضايا الاعتقادية موقفًا سلبيًّا هو مجرد عدم الحكم باستحالتها من جهة أخرى.
أما أهل السنة والجماعة؛ فمن منطلق النظرة الشمولية التي يتميز بها منهجهم - لأنه منهج الوحي - كانت هذه المسألة المنهجية عندهم في غاية الاتزان والاتساق والوضوح، كما قررت الآيات السابقة.
ومن أسباب هذا الاتزان باعتقادهم - حسب دلالة نصوص الوحي -