للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على أن الحقيقة الكبرى التي يجهلها هؤلاء المعارضون للوحي - وهي التي سطرها أحمد نفسه في رسالة الرد على الجهمية - أن الذي تعارض مع الوحي ليس العقل بذاته، ولكن استخدامهم المنكوس له، أما الثابت قطعًا بواقع الجيل الأول الذي هو أعظم الناس عقولًا، وأصفاها فكرًا، وبواقع الصراع الفكري في التاريخ الإسلامي كله، وبالاستقراء المستقصى؛ فهو أن العقل الصحيح لا يمكن أبدًا أن يتعارض مع النقل الصحيح. وهذا هو موضوع السِّفر العظيم الذي كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) (١).

ولسنا في مقام الإفاضة في هذا الموضوع الجلل، وإنما غرضنا عرض مذهب الأشاعرة في القضية من خلال نصوص كتبهم تأصيلًا وتطبيقًا.

إن منهج الأشاعرة في هذه القضية يقوم على (القانون الكلي) الذي وُضعت مبادئه وبذوره في كتابات الباقلاني (ت٤٠٣هـ)، والجويني (ت (٤٧٨) هـ)، وستأتي النقول عنهما عما قليل، ثم جاء أبو حامد الغزالي (ت٥٠٥هـ) فألف كتابه (قانون التأويل)، وأعقبه الفخر الرازي (ت٦٠٦هـ) الذي وضع هذا القانون في صورة مقدمات موجزة، وعليه عوَّل من بعده كصاحب (المواقف) وشراحه.

وهذا القانون هو الذي صدر به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابه المشار إليه (٢).


(١) هذه التسمية الفضلى في نظرنا، وإن كان الدكتور رشاد سالم اختار (درء تعارض العقل والنقل) لأن الموافقة إيجابٌ، والدرء سلبٌ.
(٢) انظر درء تعارض العقل والنقل (ص (٤))، ولم ينقله شيخ الإسلام بنصه؛ لأنه ذكر موجز كلامهم، لا كلام الرازي وحده.

<<  <   >  >>