وهذه الأحاديث الصحيحة في نظر ابن فورك مع عدم إفادتها اليقين - كما صرح في آخر فصل من الكتاب - تفيد أن مدلولها يقع ضمن الدائرة الثالثة، وهي دائرة التجويز والإمكان العقلي، وهذا مع كونه فائدةً عظيمةً في نظره، لكن يجب ألا يتعارض مع ما يستحيل على الله وهو التشبيه - كما يتصورونه هم -، فلهذا وجب تأويلها، وليس هذا إلا من قبيل إرجاع الآيات المتشابهات - ومنها عندهم آيات الصفات - إلى الآيات المحكمات، كما نصَّ في أول كلامه الذي نقلنا.
وبهذا يظهر أن موقف الأشاعرة من النصوص أصلٌ من أصول المنهج، وأنه يشترك فيه متكلموهم المتأخرون مع المنتسبين للحديث من المتقدمين، وما سبب ذلك إلا ما قدمنا.
بل إن أبا حامد الغزالي مع أنه رجح معيار الكشف والذوق على معيار العقل - كما سيأتي - قد وافقهم على ذلك فهو يقول: «كل خبرٍ مما يشير إلى إثبات صفةٍ للباري تعالى يشعر ظاهره بمستحيل في العقل نُظِرَ: إن تطرق إليه التأويل قُبِلَ وأُوِّلَ.
وإن لم يندرج فيه احتمال تبين على القطع كذب الناقل (؟)، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسدد أرباب الألباب ومرشدهم، فلا يظن به أن يأتي بما يستحيل في العقل».
ثم ذكر أمثلة لذلك من أحاديث الصفات؛ كالقدم والإصبع والصورة، وأوَّلَها جميعها وقال:«والقول الوجيز أن كل ما لا تأويل له فهو مردودٌ، وما صحَّ وتطرق إليه التأويل قبل»(١).