ومحّص الله هذا الأمير المتلاحق بدار الملك بفَرْي روعةٍ ومروج صاخَّة قامت بها عليه الساعة بغتة، لولا سابق السعادة وتملُّؤ الحظ واستحصاد حَبْل الإقبالِ، بما ترامى إليه أحد الأخابث، ممن أخذت بضَبْعِه شهوة الإقدام مع الانحطاط في القَمْر، والانهماك في إجالة حصباء الزَّدَشِير ومعاقرة القَدَح الريَّان، وخمول الأصل وانحطاط النشأة، شُعَيبٌ الوصيف، المدعو بأبي تُصُوكَيْت، منسوباً إلى صوت يقرقر به قوم من الأوقاح بين يدي القتال. كان قد اصطُنِع فأركب المُقْرَبات وألبس الخز وقلد الحلية البحتة، وأتبع الجملة، سوَّلت له نفسه عندما أفسد الثمل خيالها، التغلب على الأمر، وتحويل الدعوة. فركب في شرذمة من السِّفلة من كل مرخي الفكّ ماشٍ مشي الفِرْزان، وشهر السلاح، وقصد إلى قيُّوم الرماة، ومتولي الحكم وصاحب الشرطة العليا بباب السلطان الشيخ عيسى بن الزرقاء المنتسب إلى الرؤساء من بني أشقيلولة، القديم جنوحهم وهويّهم إلى هذه الإيالة اليعقوبية، شيخ رسخ له في الاصطناع قَدَم، لتعرُّقه ولَوْذَعِيَّتِه وتأتّيه للأهواء وتبريزه في ميدان الطنز والمقالعة، فأثرى وجمت أمواله محوطة بقفل الشحِّ معفاة عن الخرج فألفاه متفرق الوزعة حلس الأريكة، فرماه بحربة كادت تصيب حلقومه، وتراوغ فنجا باختلاطه مع الغمار في خفارة الأندلس، واستقر ببعض أبراج السور واقتدى به قائد جند الرَّجْل المُغراة به أيدي الاغتباط، من مضعوفي هؤلاء المتغلبة على الدولة، والمتورطة في خباط سياستها المضطربة، لتعلق آمالهم السخيفة بغناء من لديه من أبناء العَلاَّت وأذَّبة الأطماع ونَبذة الحياء، ورغاء البلاد وغثاء الجالية، وأولياء السَّرق والمعاقرة، إبراهيم بن أحمد البطروجي، الشيخ المنحل المنفك، المستشن الأديم، المتمسك بذيل البطالة والصَّبوة عن السن والكبْرة، المعرّق لسانه في الإمالة، المتفكِّه منه بالمهاترة وإرسال السجية، قاد الدنيا العريضة وابتنى المشارِبَ الملوكية لغير خصيصة ولا مزية، ولا استظهارٍ بنباهة قديم ولا صدق موقف، وشعيب بن وادَرَار بن ميمون من شيوخ الحشم ومواعين الجوْر وآلات التسليط، وقهر الملكة والعز مع الرخاء والذل عند الإحساس بالشدة. ما منهم من انضم إليه قومه ولا من دافع عنه رجله ولا من استمات دونه صنائعه، بل تحولوا عنهم وجهروا بأذاهم وتدربوا لإبادتهم واستعجلوا قمَمَ الفاقرة لانفرادهم عنهم بنفاضة الدنيا وضنانتهم بالعَرَض الأدنى وتمسكهم بفضلات أخونتهم وخُلقان ثيابهم. فامتنعوا بذروة السور وانتبذ الجند والنصارى فضبطوا مدينتهم المدعوة بالملاح، فكانوا أملك بها. وجعل ذلك الجَلَبُ السِّفلةُ يطوف بسكك المدينة هاتفاً بالخلعان، وإبقاء الأمر على المؤدب المعدول عنه. وكثُر الخوض واختلت الدعوة، فقومٌ يهتفون بدعوة الأمير عبد الحليم، وزعنفة تدعو لأبي عمر، وأخرى للسلطان المستدعى.
وفضت أقفال السجن فانتشر من به من بني مرين وبني زيان وغيرهم، واختلط المرعيّ بالمهمَل وطار الخبر الكريه إلى مخيم السلطان، فوقعت الواقعة وظن أنها القاضية.