ولا تجد إلا ما قدمت من عمل يقتضي العفو والمغفرة، أو ثناء يجلب الدعاء بالرحمة. ومثلك من ذُكِّر فتذكر وعُرِّفَ فما أنكر، وهذا ابن الخطيب وقف على قبري وتهمَّم بي، وسبق الناس إلى رثائي، وأنشدني ومجدَّني وبكاني ودعا لي وهنأني بمصير أمري إليك، وعفر وجهه في تُربي، وأمَّلني لمّا انقطعت مني آمال الناس، فلو كنت يا ولدي حياً لما وسعني إلا أن أعمل معه ما يليق بي، وأن أستقل فيه الكثير، وأحتقر العظيم، لكن لما عجزت عن جزائه، وكلتهُ إليك وأحلته يا حبيب قلبي عليك، وقد أخبرني أنه سليبُ المال، كثيرُ العيال، ضعيف الجسم، قد ظهر في عدم نشاطه أثر السن، وأمَّل أن ينقطع بجواري ويستتر بدخيلي وخِدْمتي ويرّد عليه حقه ووجوه من ضاجعني من سَلفي، ويعبد الله تحت حُرمَتك وحرمتي. وقد كنت تشوفت إلى استخدامه في الحياة حسبما يعلمه حبيبنا الخالصُ المحبة، وخطيبنا العظيم المزية، القديم القُربة، أبو عبد الله بن مرزوق فاسألهُ يُذكّرْك، واستخبره يخبرك، فأنا اليوم أريد أن يكون هذا الرجل خديمي بعد الممات إلى أن نلحق جميعاً برضوان الله ورحمته التي وسعت كل شيء. وله يا ولدي ولد نحيف يخدم ببابك، وينوب عنه في ملازمة بيت كُتّابك، وقد استقر بدارك قراره، وتعيَّن بأمرك مرتبَّه ودثاره، فيكون الشيخ خديم الشيخ، والشباب خديم الشباب، هذه رغبتي منك وحاجتي إليك، واعلم أن هذا الحديث لا بد أن يُذكر ويُتحدث به في الدنيا وبين أيدي الملوك والكبار، فاعمل ما يبقى لك فخره، ويتخلّد ذكره، وقد أقام مجاوراً ضريحي تالياً كتاب الله عليّ، منتظراً ما يصله منك ويقرؤه عليَّ من السَّعي في خلاص ماله والاحتجاج بهذه الوسيلة في جبره، وإجراء ما يليق بك من الحرمة والكرامة والنعمة، فالله الله يا إبراهيم، اعمل ما يُسمع عني وعنك فيه، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال،: انتهى. والعبد يا مولاي مقيم تحت حرمته وحرمة سلفه منتظر منكم قضاء حاجته، ولتعلموا وتتحققوا أني لو ارتكبت الجرائم، ورزأت الأموال، وسفكت الدماء، وأخذت حسائِفَ الملوك الأغرة ممن وراء النهر من التَّطَر، وخلف البحر من الروم، ووراء الصحراء من الحبشة وأمكنهم الله مني من غير عهد، بعد أن بلغهم تذدُّمي بهذا الدخيل، ومقامي بين هذه القبور الكريمة، ما وسع أحداً منهم من حيث الحياء والحشمة من الأموات والأحياء وإيجاب الحقوق التي لا يغفلها الكبار للكبار، إلا الجود الذي لا يتعقبُه البُخل، والعفو الذي لا تفسده المؤاخذة، فضلاً عن سلطان الأندلس، أسعده الله بموالاتكم، فهو فاضل وابن ملوك أفاضل، وحوله أكياسٌ ما فيهم من يجهل قدركم وقدر سلفكم لا سيما مولاي والدكم الذي أتوسل به إليكم وإليهم، فقد كان يتبنّى مولاي أبا الحجاج ويشمله بكنفه، وصارخه بنفسه، وأمدَّه بأمواله، ثم صيَّر الله ملكه إليكم وأنتم من أنتم ذاتاً وقبيلاً، فقد قرَّت يا مولاي عين العبد بما رأت بهذا الوطن المراكشي من وفور حُشودكم وكثرة جنودكم، وترادف أموالكم وعُدَدِكم، زادكم الله من فضله. ولا شك عند عاقل أنكم إن انحلّت عروة تأميلكم أو أعرضتم عن ذلك الوطن، استولت عليه يد عدوه، وقد علم تطارحي بين الملوك الكرام الذين خضعت لهم التيجان، وتعلقي بثوب الملك الصالح والد الملوك مولاي والدكم، وشهرة حُرْمةِ شالَة معروفة، حاشَ لله أن يضيعها أهل الأندلس، وما تُوسل إليهم قط بها إلى الآن، وما يجهلون اغتنام هذه الفضيلة الغربية. وأملي منكم أن يتعين من بين يديكم خَديمٌ بكتاب كريم يتضمن الشفاعة في ردِّ ما أُخِذَ لي، ويخر بمثواي مترامياً على قبر والدكم ويقرر ما لَزِمكم بسبب هذا الترامي من الضرورة المهمة والوظيفة الكبيرة عليكم، وعلى قبيلتكم حيث كانوا، وتطلبون منهم عادة المُكارَمَة بحل هذه العقدة. ومن المعروم أني لو طلبت بهذه الوسائل من صُلب ما لهم، ما وَسِعَهُمْ بالنظر العقلي إلا حفظُ الوجه مع هذا القبيل وهذا الوطن، فالحياء والحشمة يأبيان العذر عن هذا القبر الكريم بي وتعينوني لخدمة هذا المولى وزيارته وتَفَقُّدِه ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المولد في جواره وبين يديه، وهو غرض غريب مناسبٌ لِبركم به إلى أن حج بيت الله بعناية مقامكم وأعود داعياً مُثنياً مستدعياً للشكر والثناء من أهل المشرق والمغرب، وأتعوض من ذمتي بالأندلس ذمة عند الرباط