فاضل متفنن حَسَن الهيئة، راجح الوزان كثير الوقار بعيد عن الدِّخْلة، متساوي الظاهر والطوية، مُطَّرِح للهوادة، ما شئت من رجل غزير الحِفْظ، جيد المعرفة، مضطلع بفنون، سديد النظر، جَمَّ المشاركة في حديث ورواية وتاريخ وخَبَر وكلام وفقه ونظم ونثر، إلى فضل المجالسة وحسن العشرة والغفلة عن نصيب النفس والاحتطاب في حبل الرفيق، وإقطاع، غبيط السذاجة وفضل الفكاهة، والجهر بالتلاوة في سبيل الورد المترتب ناشئَةَ الليل ومبادئ الإسحار. رحل وحج ولقي كثيراً من الفضلاء، وأخذ عن عدد كثير من أهل المغرب دراية ورواية. فمن المراكشيين: أبو العباس الغفائري، وأبو الحجاج الدَّغْوي، وأبو القاسم بن مُعَنْصِر، وأبو القاسم ابن القشاش، وأبو عبد الله بن مسعود. ومن أهل أغمات: أبو يحيى الجزولي من حفَّاظ المذهب. ومن الفاسيين: أبو محمد عبد العزيز القروي، والقاضي أبو عبد الله ابن عبد الرزاق. ومن أهل تازا: أبو محمد الرَّجَّالي. ومن التلمسانيين: الشيخ الفقيه النظَّار أبو موسى بن الإمام والقاضي أبو العباس المديوني، والشيخ المحقق نسيج وحده في العقليات أبو عبد الله الآبلي. ومن التونسيين أبو عبد الله بن دمعون، وابن هارون، وابن عبد السلام، والراوية الرَحَّال أبو عبد الله بن جابر ومن أهل الإسكندرية: أبو العباس بن فتوح، وجمال الدين بن سلامة القضاعي، والعدل أبو الحسن بن الفرات، والمشايخ الأربعة محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله، وإسماعيل الضرير، وأبو الحسن الإقبالي، وجمال الدين بن عبد الرزاق الربعي وناصر الدين بن المُنَيِّر. ومن أهل مصر قاضي المالكية تقي الدين الإحساني، وأبو الحسن المارديني، وعز الدين بن جماعة، وجمال الدين الدلاصي، وأبو حامد السَّبوكي. ومن أهل دمشق: شهاب الدين بن فضل الله كاتب الإنشاء، وشمس الدين بن نباتة، وأبو الخير الحريري، وشمس الدين السلاوي آخر أصحاب ابن عبد الكريم، وتقي الدين بن عبد الكافي، والعلامة الأديب أبو الفضل ابن صرايا. ومن الصالحية: عز الدين المقدسي، والمسند عبد الرحيم التنوخي. ومن أهل مكة: شمس الدين النَوْفَري، وإمام الموسم خليل بن محمد. ومن أهل المدينة: عفيف الدين المطري من ذرية سعد بن عُبادة.
ولي قضاء مَرَّاكُش في منتصف رمضان عام ستين بعد ولايته أغمات وسَبتة ومولده بمراكش في سابع عشر ربيع الأول عام خمسة وسبعمائة. وابتدأ لهذا العهد تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي.
وأنشدني من نظمه ولها حكاية تدل على ظرفه وحسن عهده:
ولما تجاوزنا زَلولاً وشنَّة ... وطاشت حلوم لم تكن قبل طائشة
تيقنت أن لا منزلاً بعد سبتة ... يَسُرُّ وأن لا إلف من بعد عائشة
توجه مؤانساً لي متحفياً إلى جبل هنتاتة، فأمتع ما شاء حفظه الله وأحسن مجازاته.
ومنهم الشيخ العدل القاضي برباط آسفي عبد الرحمن بن علي بن أبي العيش القيسي المعروف بطالب عافية، من الصدور الجلة وأعلام الطلبة بتلك البلدة فضلاً وعدالة وتفنناً ومشاركة، يخوض في كل فن، ويُلقي دَلْوَه إلى كل حوض، أصيل الحفظ جيد البحث، بعيد عن السآمة، لا يمر له وقت ضياعاً إلا عن مذاكرة في فن أو إجراء طُرفة، غير مُبال بِتَهْويم نوم، وهجوم هاجرة، أو مخالطة كد إلى حُسن العشرة ودماثة الخُلُق، وإيثار التخلي والعزلة والحَوْم على السلوك والتجريد. شارك القاضي أبا محمد في كثير ممن ذُكرَ أخذه عنه من أعلام بلده.
ومنهم الأستاذ المتفنن النظَّار أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الفَخَّار، أستاذ المدرسة العظمى من أهل العلم والفضل والمشاركة والتفنن، يقري بها علم اللسان والأصلين والفروع، فَيُمْتِعُ ويَحْسِبُ على طَرَش كدَّر رحمه الله الانتفاع به ونغّص الأنس بمجلسه نفعه الله..
وانتابني من الظرفاء والأدباء الشيخ الفقيه المكَتِّب أبو عبد الله محمد بن القاسم ابن عمر بن عبد الله الصَّيْرَفي، من أهل النبل والظَرْف على خُلُقٍ زعموا غير سَبْط، كتب عن الأمراء بمراكش، وأبي العباس بن حسين الغفائري، والخطيب المحدِّث أبي عبد الله بن رُشَيْد، والقاضي أبي الحجاج الطُّرطوشي، والمقرئ أبي الحسن ابن برني، وأبي العباس الفرقسي، وأبي العباس بن برني، وأبي العباس بن القرّاق، وأنشدني من شعره: