يستصفي أموالها بعصَاب الضيق والإلحاح، فإذا ركبت الطريق وأقلها الظَّهر وشد عَناقها القِد، نكبت عن سبل بيت المال وغاصت في كل بالوعة فاغرة. وأخذ الناس حرمان العطاء، فلا يلمحون للإسعاف مخيلة، ولا يرتشفون للإحسان بُلالة فافتتحت أبواب الأرجاف وتربصت الدوائر، وقُصَّت الرؤى، وعُبِّرَت الأحلام، وحُدَّت القواطع، وعُدت الأيام. وكان شديد الميل إلى علم القضاء بالأحكام النجومية، قد مرن على العمل بآلة الاسطرلاب، وشَدَى شيئاً من التعديل، مختصاً لذلك طبيب قصره أبا الحسن المراكشي من أهل قسنطينة والمتصف بالإجادة في ذلك. وتوعد المرْجِفِين وعزم على إنفاذ النكال بهم عند مُجاوزة الوقت المعطى للقاطع. وممن تناول السعي طائفة من الخواص والكتاب دبت عقاربهم وأرهفت مكائدهم بين يدي التوقع، وكان ذلك أقوى الأسباب فيما نزل به. وتحول من دار سكناه بالبلد الجديد إلى القصبة القُدْمَى على ضيق المحل وقُصور قُصوره عن نباهة غيرهما. وأسند حفظ مدينتهم البيضاء مستقر صامتهم وذخيرتهم وخزانة عُدَّتهم ومثوى حريمهم إلى ابن وزير أبيه المرشح ببابه لعلياء الوزارة بمزية النبل ونباهة البيت ووراثة الخطة وسعة مجال الإدراك، والرُّشوق إلى أهداف الأغراض وفضل الذكاء والنبل وغموض الحيلة وحسن التأتي، ولطاقة الإدراك وَرَهْفِ الجانب. وأوحشه زعموا بنكير علَّقه عاتق وجهته رسولاً عنه إلى بني زيان، فبانت له الغرة فلم يمهلها وأمكنته الفرصة فلم يُضعها، ورأى أنه يقوم على الموتور من قومه بفرض الكفاية من الإدالة والإراحة، فأعمل التدبير وفتك الفَتْكة التي لم تُبق للبَرَّاضِ من ذكر، ولا للسُلَيْك بن السلكة من خطر، ولا لحادي الأسد من مزية.