للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كيفَ وَجَدْتَ الدواءَ أَوجَدَك الله ... شِفَاءً بِه مَدَى الزَّمَنِ

لا نَزَعَ اللهُ منك صَالحةً ... أَبْليتَها من بلائك الحسنِ

لا زلتَ تُزْهَي بكلِّ عافِيَةٍ ... تَجْتَنُّهَا مِنْ مَعَارِض الفِتنِ

إنَّ بقاءَ الجوادِ أحمدَ في ... أعناقِنا مِنَّةٌ من المِنَنِ

لو أنَّ أَعمارَنَا تُطَاوِعُنَا ... شَاطَرَةُ العُمْرَ سَادةُ اليَمنِ

حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالزائر قال: حدثني أبي قال: دخل أبو تمام على أحمد بن أبي دؤاد، وقد كان عتباً عليه في شيء فاعتذر إليه، وقال: أنت الناس كلهم، ولا طاقة لي بغضب جميع الناس! فقال له ابن أبي دؤاد: ما أحسن هذا فمن أين أخذته؟ قال: من قول أبي نواس:

وليسَ للهِ بمُستنْكَرٍ ... أنْ جَمعَ العاَلَم في وَاحِدِ

سمعت محمد بن القاسم يقول: قال ابن أبي دؤاد لأبي تمام: إن لك أبياتاً أنشدتها لو قلتها زاهداً أو معتبراً أو حاضاً على طاعة الله جل وعز لكنت قد أحسنت وبالغت فأنشدنيها، قال: وما هي؟ قال: التي قافيتها " فأدْخُلَهَا " فأنشده:

قل لابن طَوْقٍ رَحَى سَعدٍ إذَا خَبَطَتْ ... نَوائِبُ الدّهرِ أَعْلاَها وأَسْفلَها

أَصْبحتَ حَاتِمهَا جُوداً، وأَحنَفَها ... حِلْماً، وكَيِّسهَا عِلْماً وَدَغْفَلَها

مالي أَرى الحُجْرةَ الفَيْحاءَ مُقْفَلَةً ... عنِّي وقد طالما استفتَحْتُ مُقْفَلَهَا؟

كأنَّها جنَّةُ الفِردْوسِ مُعْرِضَةً ... وليسَ لي عَمَلٌ زَاكٍ فأدْخلَها

حدثني عون بن محمد قال، حدثني محمود الوراق قال: كنت جالساً بطرف الحير حير سر من رأى، ومعي جماعة لننظر إلى الخيل، فمر بنا أبو تمام فجلس إلينا، فقال له رجل منا: يا أبا نمام، أي رجلٍ أنت لو لم تكن من اليمن؟ قال له أبو تمام: ما أحب أني بغير الموضع الذي اختاره الله لي، فممن تحب أن أكون؟ قال من مضر. فقال أبو تمام إنما شرفت مضر بالنبي صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك ما قيسوا بملوكنا وفينا كذا وفينا كذا، ففخر وذكر أشياء عاب بها نفراً من مضر، قال: ونمي الخبر إلى ابن أبي دؤاد وزادوا عليه، فقال: ما أحب أن يدخل إلى أبو تمام، فليحجب عني، فقال يعتذر إليه ويمدحه:

سَعِدتْ غُرْبةُ النَّوى بسُعَادِ ... فَهْيَ طَوعُ الإِتْهَامِ والإنْجادِ

شابَ رأسِي وما رأيتُ مَشيبَ الرَّ ... أُسِ إلاَّ من فَضْلِ شَيْبِ الفُؤادِ

وكذاكَ القُلوبُ في كلِّ بؤْسٍ ... ونَعيمٍ طلائعُ الأَجْسادِ

طال إِنكاريَ البيَاضَ وإنْ عُمْى ... مِرتُ شيئاً أَنْكَرتُ لَوْنَ السَّوادِ

يا أَبا عبد الله أَوْرَيتْ زَنْداً ... في يَدِي كَانَ دَائِمَ الإِصْلادِ

أنتَ جُبْتَ الظَّلاَمَ عن سُبُلِ الْ ... آمَالِ إذْ ضَلَّ كلُّ هَادٍ وحَادي

وضِيَاءُ الآمَالِ أَفْسَحُ في الطّرْ ... فِ وَفيِ القَلْبِ مِنْ ضِيَاء البِلاَدِ

ثم وصفَ قوماً لزموا ابن أبي دؤاد، وأنه أحظ به مع ذاك منهم، فقال:

لَزِمُوا مَرْكزَ النَّدَى وذَرَاهُ ... وعَدَتْنا عَنْ مِثلِ ذاكَ العَوادي

غيرَ أنَّ الرُّبَى إلى سَبَلِ الأَنْ ... وَاءِ أَدْنَى والحظُّ حظُّ الوِهَاد

بَعْدَ ما أَصْلَتِ الوُشَاةُ سُيوفاً ... قَطَعَتْ فيَّ وهْيّ غَيرُ حِدَاد

مِنْ أَحاديثَ حِينَ دَوَّخْتَها بالرَّ ... أيِ كانتْ ضَعيفَةَ الإِسْنَاد

فنَفَى عَنْكَ زُخْرفَ القَوْلِ سَمْعٌ ... لم يكُنْ فُرصَةً لِغيرِ السَّدَاد

ضَرَبَ الحِلْمُ والوَقَارُ عَليْه ... دُونَ عُورِ الكَلامِ بالأَسْداد

وحَوَانٍ أَبَتْ عليْها المعَاليِ ... أَنْ تُسْمَّى مَطِيَّةَ الأَحْقَاد

وقد أفصح عما قرف به، واعتذر منه إلى ابن دؤاد، فقال وهو عندي من أحسن الاعتذار:

<<  <   >  >>