فالله قد ضَرَبَ الأَقَلَّ لِنُورِهِ ... مَثَلاً منَ المِشْكَاةِ وَالنِّبْرَاسِ
قال: فعجبنا من سرعته وفطنته، وقد روى هذا الخبر على خلاف هذا، وليس بشيءٍ، وهذا هو الصحيح.
ويروى أنه عيب عليه قوله، وقد أنشد هذه القصيدة التي فيها:
شَابَ رَأْسِي وَما رَأيت مُشَيِبَ الرَّ ... أْسِ إلاّ من فَضْلِ شَيْبِ الفُؤَادِ
فزاد فيها من لحظته:
وكَذَاكَ الْقُلوُبُ في كلِّ بُؤسٍ ... وَنَعيِمٍ طَلاَئِعُ الأجْسَادِ
حدثني أحمد بن إسماعيل قال: حدثني عبد الله بن الحسين ولست أدري من عبد الله هذا قال: سمعت أبا تمام ينشد أحمد بن المعتصم في علةٍ اعتلها:
أَقْلَقَ جَفْنَ العَيْنَيْنِ عَنْ غُمُضِهْ ... وَشَدَّ هَذَا الحَشَا عَلَى مَضَضِهْ
شَجىً بَما عَنَّ لِلأَميِر أبي ال ... عَبَّاسِ أَمسْىَ نَصْباً لِمعْتَرِضِهْ
منْ الآُلَى نَسْتَجِيرُ منْ شَرَقِ الدّهْ ... رِ بِهمْ إنْ أَلَمَّ أوْ جَرضَهْ
صَاغَهُمْ ذُو الجلاَلِ مِنْ جَوْهَرِ المَجْ ... دِ وَصاغَ الأَنامَ مِنْ عَرَضِهْ
سَهْمٌ مِنَ المُلكِ لاَ يُضَيِّعُهُ ... بَارِيهِ حَتَّى يَهْتَزَّ في غَرَضِهْ
وهذه من أحسن كنايةٍ في التعريض بالخلافة:
صِحَّتُهُ صِحَّةُ الرَّجَاءِ لَنا ... في حِينِ مُلْتَاثهِ وَمُنْتَقَضِهْ
فإنْ نَجِدْ عِلةً نُعَمَّ بهَا ... حتَّى كأَنَّا نُعَادُ مِنْ مَرَضِهْ
فقال له أحمد بن المعتصم: ما أبين العلة عليك! فقال: إنها علةُ قلبٍ تميت الخاطر، وتسد الناظر، وتبلد الماهر!.
[أخبار أبي تمام مع مخلد بن بكار الموصلي]
حدثني أحمد بن إبراهيم قال، حدثني بدر غلام مخلد قال: دخل أبو تمام الحمام ومخلد فيه، وإذا عليه شعر كثير، كأنه قد ألبس مسحاً، فقال له أبو تمام: ما هذا؟! قال: حذراً من لسانك أن ينسبني إلى البغاء.
حدثني أبو سليمان النابلسي قال، قيل لأبي تمام: قد هجاك مخلد، فلو هجوته؟ قال: الهجاء يرفع منه، قيل: أليس هو شاعراً؟ قال: لو كان شاعراً ما كان من الموصل. يعني أن الموصل لم تخرج شاعراً. قال أبو سليمان: وأصل مخلد من الرحبة ثم أقام بالموصل.
حدثني أحمد بن محمد البصري، غلام خالدٍ الحذاء الشاعر وراويته قال، حدثني الخليع الشاعر القرشي قال: كان أول شعر هجا به مخلد أبا تمام قوله:
أنت عندي عربيُّ ... الأَصْلِ ما فيكَ كلامُ
عربيُّ عربيُّ ... أَجَإِيٌّ ما تُرامُ
شَعْر فَخْذَيْكَ وساقَيْكَ ... خُزَامَي وثُمَامُ
وضلُوعُ الشِّلوْ مِنْ صَدْ ... رِكَ نبعٌ وبَشَامُ
وَقَذَى عينيْكَ صَمْغٌ ... وَنَواصِيكَ ثَغَامُ
لو تحركْتَ كذا لانْ ... جَفَلَتْ منكَ نَعامُ
وظِبَاءٌ مُخْصِبَاتٌ ... ويَرَابِيعُ عِظَامُ
أنَا ما ذنْبَي إِنْ خَا ... لفَنَي فيكَ الأَنَامُ؟
وَأَتَتْ مِنكَ سَجايَا ... نَبَطِيَّاتٌ لِئَامُ
وَقَفاً يَحْلِفُ أَنْ مَا ... عَرَّقَتْ فِيكَ الكِرَامُ
ثُمَّ قَالُوا: جَاسِمِيٌّ ... مِنْ بَنِي الأَنْبَاطِ خَامُ
كَذَبُوا، مَا أنْتَ إلاَّ ... عَرَبيٌّ مَا تُضَامُ
بَيْتُهُ مَا بَينَ سَلْمَى ... وَحَوَالَيْهِ سِلاَمُ
وَلَهُ مِنْ إِرْثِ آبا ... ءٍ قِسِىٌّ وَسِهَامُ
وَنَخِيلٌ بَاسِقَاتٌ ... قَدْ دَنَا مِنْهَا صِرَامُ
أَنْتَ عِنْدِي عَرَبيٌّ ... عَربيٌّ وَالسَّلاَمُ
وأنشدني أبو جعفر مولى آل سليمان بن علي لمخلدٍ في أبي تمام:
انْظُرْ إلَيْهِ وَإلَى خُبْثِهِ ... كيفَ تَطَايا وَهْوَ مَنْشُورُ
ثُمَّ عَلَى طَاقٍ شَخِيتِ الْقُوَى ... نِسْبَتُهُ وَالُّلؤْمُ مَضْفُورُ