تَخْفِقُ أَثْنَاؤُهُ عَلَى مَلِكٍ ... يَرَى طِرَادَ الأبْطَالِ من طَرَدِهْ
وهَلْ يُسَاميِكَ في العُلاَ مَلِكٌ ... صَدْرُكَ أَوْلَى بالرُّحْبِ من بَلَدِهْ؟
أَخْلاَقُكَ الغُرُّ دُونَ رَهْطِكَ أَثْ ... رَى مِنهُ في رَهْطِهِ وَفيِ عَدَدِهْ
فما سمعت مثل قوله، وطربت فرحا أن يكون من ربيعة، فقلت: ممن الرجل؟ فقال: من طيئ، وولائي لهذا الأمير، فقلت: يا أسفي ألا تكون ربعياً أو نزارياً، ثم أمر له الأمير أبو يزيد بعشرة آلاف درهم بيضاً، ووالله ما كافأه. وفي هذه القصيدة ذكر شفاعة خالدٍ إلى ابن أبي دؤاد فيما تقدم ذكره، فقال:
باللهِ أَنْسَى دِفَاعَهُ الزُّورَ مِنْ ... عَوْرَاءَ ذي نَيْرَبٍ ومِنْ فَنَدِهْ
وَلاَ تناسَى أحيَاءُ ذيِ يَمَنٍ ... مَا كانَ مِنْ نصْرِهِ ومِنْ حشَدِهْ
آثَرَنِي إذْ جَعَلْتُهُ سَنَداً ... كلُّ امْرِئٍ لاَجئٌ إلى سَنَدِهْ
حدثني أبو بكر القنطري قال، حدثني محمد بن يزيد المبرد قال: كان خالد بن يزيد الشيباني بقية الشرف والكرم، وأوسع الناس صدراً في إعطاء الشعراء. دفع إلى عمارة بن عقيل ألف دينار لقوله فيه:
تَأْبَى خلائقُ خالدٍ وَفَعَالُهُ ... إلا تَجنُّبَ كلِّ أَمْرٍ عائبِ
وإذا حَضَرْنَأ الْبَابَ عِنْدَ غَدَائِه ... أَذِنَ الغَدَاءُ لَنَا برَعْمِ الحاجِبِ
قال: وأخذ أبو تمام بمدحه له أضعاف هذا.
وجدت بخط ابن أبي سعيد، حدثني إسماعيل بن مهاجر قال، حدثني وكيل للحسن بن سهل يعرف بالبلخي قال: استنشد خال بن يزيد أبا تمام قصيدته في الأفشين التي ذكر فيها المعتصم وأولها:
غَدَا المُلْكُ مَعْمُورَ الحَرَا وَالمْنَازِلِمُنَوَّرَ وَحْفِ الَّروْضِ عَذْبَ المَنَاهِلِ
فلما بلغ إلى قوله:
تَسَربَلَ سِرْبالاً مِنَ الصَّبْرَ وارْتَدَي ... عَليهِ بِعَضْبٍ في الكَريهِة قَاصِلِ
وَقَدْ ظُلِّلَتْ عِقْبانُ أَعْلاَمِهِ ضُحىًبِعِقْبَانِ طَيْرٍ في الدِّمَاءِ نَوَاهِلِ
أَقَامَتْ مَعَ الرَّاياتِ حَتَّى كأَنَّهَا ... مِنَ الجَيشِ إلاّ أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ
قال له خالد: كم أخذت بهذه القصيدة؟ قال: ما لم يرو الغلة، ولم يسد الخلة. قال: فإني أثيبك عنها، قال: ولم ذاك، وأنا أبلغ الأمل بمدحك؟ قال: لأني آليت لا أسمع شعراً حسناً مدح به رجل فقصر عن الحق فيه إلا نبت عنه. قال: فإن كان شعراً قبيحاً؟ قال: أنظر فإن كان أخذ شيئاً استرجعته منه!.
وقد أحسن أبو تمام في هذا المعنى وزاد على الناس بقوله: - إلا أنها لم تقاتل -، وقد قال مسلم قبله:
قد عَوَّدَ الطيَر عاداتٍ وَثقْنَ بِها ... فهُنَّ يَتْبعْنَهُ في كلِّ مُرْتَحَلِ
وأحسن من هذا قول أبي نواس في العباس بن عبيد الله:
وَإِذَا مَجَّ القَنَا عَلَقاً ... وتَرَاءَى الموتُ في صُوَرِهُ
رَاحَ في ثنيْ مُفَاضَتِهِ ... أَسَدٌ يَدْمَى شَبَا ظُفُرِهْ
تَتآيَا الطَّيرُ غَدْوَتَهُ ... ثِقَةً بِالشِّبْعِ مِنْ جَزَرِهْ
ولا أعلم أحداً قال في هذا المعنى أحسن مما قاله النابغة، وهو أولى بالمعنى، وإن كان قد سبق إليه، لأنه جاء به أحسن. وقد ذكرنا شريطة السرقات قبل هذا، قال النابغة:
إِذَا ما غَدَوْا بالجيشِ حَلَّق فوقَهمُ ... عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتدِي بَعصائِبِ
جَوَانحَ قد أَيْقَنَّ أَنَّ قَبيلَهُ ... إِذا مَا الْتَقَى الْجَمْعانِ أوَّلُ غالبِ
وهو من قول الأفوه الأودي في قصيدةٍ أولها:
يا بَنيِ هَاجَرَ سَاءَتْ خُطَّةُ ... أَنْ تَرُومُوا النِّصْفَ مِنَّا وَمَحَارْ
فقال فيها:
فَتَرى الطَّيْرَ على آثارِنَا ... رَأىَ عَيْنٍ ثِقَةً أَنْ سَتُمارُ
الحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى أله وصحبه وسلم تسليماً.
[أخبار أبو تمام مع الحسن بن رجاء]
" بسم الله الرحمن الرحيم "