فَنَوْءُ جُرْدَانَ أَشْهَى لاَ أَشُكُّ بِهِإلىَ حَتَارِكَ مِنْ نَوْءَيِنْ مِنْ مَطَرِ
حَرُّ الحُلاَقِ وَبَرْدُ الشِّعْرِ أَتْلَفَهُفَجَاءَهُ المَوْتُ مِنْ حَرٍّ وَمِنْ خَصَرِ
وكان أبو تمام لا يجيب هاجياً له، لأنه كان لا يراه نظيراً ولا يشتغل به.
حدثني أبو العشائر الأزدي الشاعر قال، حدثني أبي قال: قلت لأبي تمام: ويحك قد فضحنا هذا الموصلي بهجائك فأجبه، قال: إن جوابي يرفع منه، وأستدر به سبه، وإذا أمسكت عنه سكتت شقشقته، وما في فضل مع هذا عن مدح من أَجتديه.
وقال فيه مخلد:
يَا نَبِيَّ الله في الشِّعْرِ وَيَا عيَسى بنَ مَرْيَمْ
أََنْتَ مِنْ أَشْعَرِ خَلْقِ اللهِ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ!
وقد هجا أبا تمام من هو أشعر من مخلد: حدثني محمد بن موسى الهاشمي، وأبو الربيع المنقري قالا: عزم أبو تمام على الانحدار إلى البصرة والأهواز لمدح من بهما، فبلغ ذلك عبد الصمد بن المعذل فكتب إليه:
أَنْتَ بينَ اثنَتَينِ تَغْدُو مَعَ النَّا ... سِ وَكِلْتَاهُمَا بِوَجْهٍ مُذَالِ
لَسْتَ تَنْفَكُّ طَالِباُ لِوصَالٍ ... مِنْ حَبِيبٍ أوْ طَالباً لِنَوَالِ
أيُّ مَاءٍ لَماءِ وَجْهِكَ يَبْقَى ... بَعْدَ ذُلِّ الْهَوَى وَذُلِّ السُّؤَالِ؟
فلما قرأ الشعر قال: قد شغل هذا ما يليه، فلا أرب لنا فيه، وأضرب عن عزمه.
وجدت في كتبي: وقال الوليد يهجو أبا تمام، وهي قصيدة اخترت منها:
دَعِ الهِجَاءَ فإِنَّ اللهَ حَرَّمَهُ ... وَاقْصِدْ إلَى الَحقِّ إنَّ الحَقَّ مُتَّسِع
وَاذْكُرْ حَبيبَ بْنَ أَوْشُونَا وَدِعْوَتَهُ ... فإنّ طَيّاً إذَا سُبُّوا بِه جِزَعُوا
إنْ يَقْبَلوُكَ أبَا النُّقْصَانِ يَحْتَقبْواعَاراً وتَخفِضُ منهُمْ كلَّ مَا رَفَعُوا
لَوْ أنَّ عَبْدَ مَنَافٍ في أَرُومِتهِمْ ... تَقَبَّلوُكَ لَمَا ضَرُّوا وَلاَ نَفَعُوا
وَإنْ نَفَوكَ كما يَنفُونَ كَلْبَهُمُ ... عَنِ الصَّمِيمِ أَصَابُوا الحَقَّ وَانْتَفَعُوا
إِنْ يَرْقَعُوا بِكَ خَرْقاً في أَدِيمِهِمِقالَ العِبَادُ جَمِيِعاً: بِئْسَما رَقَعُوا
مِرْبَاعُ قَوْمكَ نَاقُوسٌ وَشَمْعَلةٌفَاذْكُرْ مَرَابِيَعُهمْ فِيهَا إذَا ارْتَبَعُوا
ولَوْ تُنَاطُ بِطَىٍ كُلُّ مُخْزِيَةٍ ... لكُنْتَ أخْزىَ لَهمْ منْهَا إذا اجتْمَعُوا
إِنِّي هَجَوْتُكَ عَنْ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ ... بِأَنَّ شِعْرَكَ قَدْ أَوْدَى بهِ الفَزَعُ
إنّ القُرُومَ إذَا أبْدَتْ شَقَاشِقَهَالِلْهَدْرِ لَمْ يَدْنُ منْ أَعْطَانِهَا الْهُبَعُ
[ما روي من معائب أبي تمام]
حدثني هارون بن عبد الله المهلبي قال: سئل دعبل عن أبي تمام قال: ثلث شعره سرقة، وثلثه غثٌ، وثلثه صالح.
وقال محمد بن داود، حدثني ابن أبي خيثمة قال، سمعت دعبلاً يقول: لم يكن أبو تمام شاعراً، إنما كان خطيباً، وشعره بالكلام أشبه منه بالشعر، قال: وكان يميل عليه، ولم يدخله في كتابه - كتاب الشعراء -.
وحُكى أن ابن الأعرابي قال، وقد أنشد شعراً لأبي تمام: إن كان هذا شعراً فما قالته العربُ باطلٌ!.
حدثني محمد بن الحسن اليشكري قال: أنشد أبو حاتم السجستاني شعراً لأبي تمام، فاستحسن بعضه واستقبح بعضاً، وجعل الذي يقرؤه يسأله عن معانيه فلا يعرفها أبو حاتم، فقال: ما أشبه شعر هذا الرجل إلا بثيابٍ مصقلاتٍ خلقانٍ، لها روعة وليس لها مفتش.
حدثني القاسم بن إسماعيل قال: كنا عند التوجي، فجاء ابن لأبي رهم السدوسي، فأنشده قصيدةً لأبي تمام يمدح بها خالد بن يزيد أولها:
طَلَلَ الجميعِ لقدْ عَفَوْتَ حَميدَا ... وكفَى عَلَى رُزْئي بذاكَ شَهيِداَ
قال: فجعل يضطرب فيها، وكنت عالما بشعره، فجعلت أقومه، فلما فرغ قال: يا أبا محمد، كيف ترى هذا الشعر؟ فقال: فيه ما أستحسنه، وفيه مالا أعرفه ولم أسمع بمثله، فإما أن يكون هذا الرجل أشعر الناس جميعاً، وإما أن يكون الناس جميعاً أشعر منه!.
وحكى عن ابن مهرويه عن أبي هفان قال، قلت لأبي تمام: تعمد إلى درةٍ فتلقيها في بحر خرءٍ، فمن يخرجها غيرك؟.