للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَيْلكَ، مَنْ دَلاَّكَ في نِسْبَةٍ ... قَلْبُكَ مِنْهَا الدَّهْرَ مَذْعُورُ

لَوْ ذُكِرَتْ طَاءٌ عَلَى فَرْسَخٍ ... أَظْلَمَ في نَاظرِكَ النُّورُ

وأنشدني أبو سليمان الضرير لمخلدٍ في أبي تمام:

لَوِ امْتَخَطْتَ وَبْرَةً وَضَبَّا ... وَامْتَشَّتْ اليَرْبُوعَ نِيّاً صُلْبَا

وامْتَصَّتَ الحَنْظَلَ غَضّاً رَطْباَ ... وَلَمْ تَذُقْ مَاءً نُقَاخاً عَذْبَا

وَبُلْتَ بَوْلَ جَمَلٍ قَدْ هَبَّا ... ولَمْ تَرُمْ إلاَّ الْجِمَالَ كَسْبَا

ثمَّ قَعَدْتَ الْقُرْفُصَا مُنْكَبَّا ... تَحْكي عرَابيَّ فَلاةٍ قَلْبَا

إِنْ دَخَلَ الإيوَانَ صَاحَ الكرْبَا ... حَتَّى يَحُلَّ جَعْجَعَاناً رَحْبَا

ولَوْ نَكَحْتَ حِمْيَراً وكَلْبَا ... وقَيْسَ عَيْلاَنَ الْكِرَامَ الْغُلْبَا

بِالشَّامِ حَيْثُ زَجْرُهَأ يُلبَّي ... لاَ حَيْثُ أَضْحَى النَّسَبُ الْمُرَبَّي

يُصْبِحُ عَبْداً وَيَرُوحُ رَبَّا ... ثُمَّ اتَّخَذْتَ اللاَّتَ فيِنَا رَبَّا

وَلَمْ تَسَمِّ القُطْنَ إلاّ عُطْبَا ... وَقُلتَ لِلْعَيْرِ الْبَلِيدِ حَوْبَا

مَا كُنْتَ إلاّ نَبَطِياً قَلْبَا ... لَوْ نَقَرَ الصَّخْرَ أَفَاضَ غَرْبَا

حتَّى يُسِيحَ لِلنَّبَاتِ شِرْبَا ... ويُنْبتَ الْحَبَّ بهِ وَالْقَضْبَا

هيَّجْتَ مِنيِّ شَاعِراً أَرَبَّا ... يُدِيُر في حُسَاماً عَضْبَا

مُهنَّداً مَدَّاحَةُ مِسَبَّا ... يَلحَبُ أَعرَاضَ اللِّئَامِ لَحْبَا

وهذا الفن قد سبق مخلد إليه: قال أبو نواسٍ في أبي خالدٍ الفارسي، وخرج إلى البدو شهرين فصار نميريا، وعاد فأنكر الميازيب، فقال: ما هذه الخراطيم التي لا أعرفها؟ فقال فيه أبو نواس:

يَا رَاكبِاً أَقْبَلَ مِنْ ثَهْمَدٍ ... كَيْفَ تَرَكْتَ الإبلَ وَالشِّاءَا؟

وَكيْفَ خَلَّفْتَ لِوَى قَعْنَبٍ ... حَيْثُ تَرَى التَّنُّومَ وَالآءَا

جَاءَ مِنَ البَدْوِ أَبُو خَالدٍ ... وَلَمْ يَزَلْ بِالمصْرِ تَنَّاءَ

يَعْرفُ لِلنَّارِ أَبُو خَالِدٍ ... سِوَى اسْمِهَا في النَّاسِ أَسْمَاءَ

إذَا دَعَا الصَّاحبَ يَهْيَا بِهِ ... وَيُتْبِعُ الْيَهْيَاءَ يَهْيَاءَ

لَوْ كُنْتَ مِنْ فَاكِهةٍ تُشْتَهَى ... لِطيبِهَا كُنت الغُبَيْرَاءَ

لاَ تَعْبُرُ الحَلْقَ إلىَ دَاخِلٍ ... حَتَّى تَحَسَّى فَوْقَها المَاءَ

وقد سبق أبو نواس أيضاً إلى هذا: حدثني مسبح بن حاتم العكلي قال، حدثني يعقوب بن جعفر قال: أمر إسماعيل بن علي لحماد عجردٍ بخمسة آلاف درهمٍ، فمطله بها كاتبه محمد بن نوح، فقال فيه حماد:

قَالَ ابنُ نُوحٍ لي وَقَدْ ... أظْهَرَ بَعْضَ الْغَضَبِ

أَنْتَ الذي نَفَيْتَني ... في الشِّعْرِ عَنْ نُوحٍ أبي؟

فَقْلْتُ: لاَ، لاَ تَرْمِنِي ... مِنْكَ بِمَحْضِ الكَذِبِ

وَيْحَكَ لَمْ أفْعَلْ وإنْ ... كُنْتَ سَقِيمَ الحَسَبِ

لَكنَّنيِ كُنْتُ فَتىً ... عَلاَّمَةً بِالنَّسَبِ

فَقْلْتَ لي: نُوحٌ أبي، ... فقلتُ: جَاوِزْ بِأَبِ

فَلَمْ تُجَاوِزْهُ وَفيِ ... ذَلِكَ بَعْضُ الرِّيَبِ

فَيَا ابنَ نُوحٍ، يَا أَخَا ال ... حِلْسِ، وَيَا ابْنَ القَتَبِ

وَمَنْ نَشَا وَالِدُهُ ... بَيْنَ الرُّبَى وَالكُثُبِ

يَا عَربي يَا عَربِي ... يَا عَربي يَا عَربِي

ولما مات أبو تمام رثاه مخلد بهجاءٍ فقال:

سَقَتْ حَتَارَكَ يَا طَائِيُّ غَادِيَةٌ ... مِنَ المَنِيِّ وَقُطْعَانٌ مِنَ الكَمَرِ

<<  <   >  >>