وَشَهِدْتُ مَا قَالَ الأميرُ بِعَقْبِهِ ... مِنْ أَنَّهُ عَسَلٌ بِمَاءِ غَمَامِ
وشَهِدْتُ أَجْمَلَ محضَرٍ من مَعْشَرٍ ... مَنَحُوا كريمَ القَوْلِ نَجْلَ كِرَامِ
فَعَلَيْكَ مَحْمُودَ الأَنَاءَةِ، إِنَّهَا ... وَالنُّجْحَ في قَرَنٍ على الأيَّامِ
وَذَكرْتَ عَمْراً قبْلَنَا وَفِرَاقَهُ ... صَمْصَامةَ النَّجَدَاتِ وَالإِقْدَامِ
وَاللهُ يَنْظِمُنَا بِعِزَّ أَميرِنَا ... وَطَوَالِ مُدَّتِهِ أَتَمَّ نِظَامِ
وله في مقامه بخرسان وتكرهه إياها أشعاراً سنذكرها في شعره إن شاء الله.
[أخبار أبي تمام مع أبي سعيد الثغري]
[أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري]
[الطائي الحميدي]
حدثني عبد الله بن الحسين بن سعد قال، حدثني البحتري قال: أبو سعيدٍ الثغري طائي من أهل مرو، وكان من قواد حميدٍ الطوسي، ومن أول شعرٍ مدحه به أبو تمام قوله:
مِنْ سَجَايا الطُّلُولِ ألاّ تُجِيبَا ... فَصَوَابٌ منْ مُقْلَتِي أَنْ تَصُوبَا
قال: وما أخذ أبو تمام من أحدٍ كما أخذ منه، ليس أنه كان يكثر له، ولكن كان يديم ما يعطيه.
حدثني عبد الرحمن بن أحمد بن الوليد قال، حدثني أبو أحمد محمد بن موسى بن حماد البربري قال، حدثني صالح بن محمد الهاشمي قال: دخلت على أبي سعيدٍ الثغري فأخرج لي كتاباً من أبي تمام إليه، ففتحته فإذا فيه:
إِنِّي أَتَتْنِي مِنْ لَدُنْكَ صَحِيفَةٌ ... غَلَبَتْ هُمُومَ الصَّدْرِ وَهْيَ غَوَالِبُ
وَطَلَبْتَ وُدِّي والتَّنَائِفُ بَيْنَنَا ... فَنَدَاكَ مَطْلُوبٌ وَمَجْدُكَ طَالِبُ
وذكر أبياتاً سنذكرها في شعره تماماً لهذا، ثم قال لي: كتبت إلى أبي تمامٍ كتاباً، وقرنته ببرٍ له، فجعل جوابه هذا الشعر، ولم يخاطبني بحرفٍ سواه.
حدثني عون بن محمد قال: قدم على أبي تمامٍ رجل من إخوانه، وكان قد بلغه أنه قد أفاد وأثرى، فجاءه يستميحه، فقال له أبو تمام: لو جمعت ما آخذ ما احتجت إلى أحدٍ، ولكني آخذ وأُنفق، وسأحتال لك، فكتب إلى أبي سعيد بقصيدة منها:
لاَ زِلْتَ مِنْ شُكْرِي في حُلَّةٍ ... لاَبِسُها في سَلَبٍ فَاخِرِ
يَقُولُ مَنْ تَقْرَعُ أَسْماعَهُ ... كَم تَرَكَ الأوَّلُ لِلآخِرِ
لي صَاحِبٌ قَدْ كانَ لي مُؤْنِساً ... وَمَألَفاً في الزَّمَنِ الغَابرِ
تَحْمِلُ مِنْهُ العِيسُ أُعْجُوبَةً ... تُجَدِّدُ السِّخْريَّ للِسَّاخرِ
ذَا ثَرْوَةٍ يَطْلُبُ مِنْ سَائلٍ ... وَمُفْحَماً يَأخُذُ مِنْ شَاعِرِ!
فَصَادَفتْ مَالِي بِإقْبَالِهِ ... مَنِيَّةٌ مِنْ أَملٍ عَائِرِ
فَشَارِكِ المقمُورَ فِيهِ وَلاَ ... تَكُنْ شَريِكَ الرَّجُلِ القَامِرِ
فَرِفْدُكَ الزَّائرِ مَجْدٌ وَلاَ ... كَرِفْدِكَ الزَّائِرَ للِزَّائِرِ
فوجه لأبي تمامٍ بثلثمائة دينارٍ، وللزائر بمائتي دينارٍ، قال: فأعطاه أبو تمامٍ خمسين ديناراً حتى شاطره.
[أخبار أبي تمام مع أحمد بن المعتصم]
حدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال، حدثني أبي قال، شهدت أبا تمامٍ ينشد أحمد بن المعتصم قصيدته التي مدحه بها:
مَا في وُقُوفِكَ سَاعَةً مِنْ بَاسِ ... تَقْضِي ذِمامَ الأَرْبُعِ الأَدْرَاسِ
فَلَعَلَّ عَيْنَكَ أنْ تُعِينَ بِمَائِهَا ... وَالدَّمْعُ مِنهُ خَاذِلٌ وَمْوَاسِي
والناس يروون هذا - أن تعين بمائها - وهو تصحيف، فلما قال:
أَبْليَتَ هذَا المَجْدَ أَبْعَدَ غَايَةٍ ... فِيهِ وَأَكرَمَ شِيمةٍ ونِحَاسِ
إِقْدَامَ عَمْروٍ في سَماحَةِ حَاتِمٍ ... في حِلْمِ أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاسِ
قال له الكندي، وكان حاضراً وأراد الطعن عليه: الأمير فوق من وصفت، فأطرق قليلاً، ثم زاد في القصيدة بيتين لم يكونا فيها:
لاَ تُنْكِروُا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُونَهُ ... مَثَلاً شَروُداً في النَّدَى وَالبَاسِ