للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حدثنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى قال، حدثني أبي قال: دخل أبو تمام على إسحاق بن إبراهيم، فأنشده مدحاً له وجاء إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى إسحاق مسلما عليه، فلما استؤذن له، قال له أبو تمام: حاجتي أيها الأمير أن تأمر إسحاق أن يستمع بعض قصائدي فيك، فلما دخل قال له ذلك، فجلس وأنشده عدة قصائد، فأقبل إسحاق على أبي تمام فقال: أنت شاعر مجيد محسن كثير الاتكاءِ على نفسك، يريد أنه يعمل المعاني. وكان إسحاق شديد العصبية للأوائل، كثير الاتباع لهم.

ويروي أن عبد الله بن طاهر حجبه فكتب إليه:

صَبْراً عَلَى المَطْلِ مَالَم يَتْلُهُ الكَذِبُ ... ولِلْخُطُوبِ إِذا سَامَحْتَها عُقَبُ

عَلَى المقادِيرِ لَوْمٌ إِنْ رُمِيتَ بهَا ... مِنْ قَادرٍ وَعَلي السَّعيُ وَالطَّلَبُ

يَأَيُّهَا المِلكُ النَّائِي برُؤْيَتهِ ... وَجوُدُهُ لمُرَاعِي جودِهِ كَثَبُ

لَيْسَ الحجَابُ بِمُقْصٍ عنْكَ لي أَمَلاً ... إِن السَّماءَ تُرَجَّى حِينَ تَحْتَجِب

ويروى أنه كتب بها إلى أبي دلف، وقيل إلى ابن أبي دؤاد، وقيل في إسحاق.

حدثني أحمد بن محمد البصري قال، حدثني فضل اليزيدي قال: لما صار أبو تمام إلى خراسان لمدح عبد الله بن طاهر كرهها، وأقبل الشتاء، فاشتد عليه أمر البرد، فقال يذم الشتاء ويمدح الصيف:

لم يَبْقَ للصيَّفِ لا رَسْمٌ ولا طَلَلُ ... وَلاَ قَشِيبٌ فيُسَكْسَى وَلاَ سَمَلُ

عَدْلاً مِنَ الدَّمْعِ أنْ يَبْكي المَصِيفَ كمايُبْكَي الشَّبَابُ ويُبْكَي الَّلهْوُ وَالغَزَلُ

يُمْنَى الزَّمَانِ طَوَتْ مَعْرُوفَهَا وَغَدَتْيُسْرَاهُ وَهْيَ لَنا مِنْ بَعْدِهِ بَدَلُ

وهي قصيدة سنذكرها في شعره، فبلغ شعره عبد الله بن طاهر، فعجل جائزته وصرفه.

حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب قال، حدثني عبد الله بن أحمد النيسابوري، وكان أديباً شاعراً، قال: استبطأ أبو تمامٍ صلة عبد الله بن طاهر، فكتب إلى أبي العميثل شاعر عبد الله، وكان دفع إليه رقعةً ليوصلها إلى عبد الله:

لَيْتَ الظِّبَاءَ أَبَا العَمَيْثَلِ خَبَّرَتْ ... خَبَراً يُرَوِّى صَادِيَاتِ الْهَامِ

إِنّ الأَمِيَر إذا الحَوَادِثُ أَظْلَمَتْ ... نُورُ الزَّمَانِ وَحِليَةُ الإِسْلاَمِ

واللهِ مَا يَدْرِي بِأَيَّةِ حَالَةٍ ... يُثْنِي مُجَاوِرُهُ عَلَى الأَيَّامِ

ألِمَا يُجَامِعُهُ لَدَيْهِ مِنَ الْغِنَى ... أَمْ مَا يُفَارِقُهُ مِنَ الإِعْدَامِ؟

وَأَرَى الصَّحِيفَةَ قَدْ عَلَتْهَا فَتْرَةٌفَتَرَتْ لَهَا الأَرْوَاحُ في الأَجْسَامِ

إنَّ الجِيَاد إذا عَلَتْهَا صَنْعَةٌ ... رَاقَتْ ذَوِي الآدَابِ وَالأَفْهَامِ

لِتَزَيُّدِ الأَبصَارِ فِيهَا فُسْحَةٌ ... وَتَأَمُّلٌ بإشَارَةِ القُوَّامِ

لَوْلاَ الأَمِيرُ وَأَنَّ حَاكِمَ رَأيِهِ ... في الشِّعْرِ أَصْبَحَ أَعْدَلَ الحُكّامِ

لَثَكِلْتُ آمَالِي لَدَيْهِ بأَسْرهَا ... ولكَانَ إِنْشَادِي خَفِير كلاَمي

وَلَخِفْتُ في تَفَرِيِقِهِ مَا بَيْنَنَا ... مَا قِيلَ في عَمْروٍ وفيِ الصَّمْصَامِ

فكتب إليه أبو العميثل:

أَفْهَمْتَنَا فَنَقَعْتَ باِلإفْهامِ ... فَاسْمَعْ جَوَابَكَ يَا أَبَا تَمامِ

إنّ الظِّبَاءَ سَنِيحُهَا كبَرِيِحهَا ... في جَهْلِهَا بِتَصَرُّفِ الأقوَامِ

جَفَّتْ بِأَيَّامِ الفَتَى وَبِرِزْقِهِ ... في اللَّوْحِ قَبْلُ سَوَابِقُ الأقْلاَمِ

قَدْ كُنْتُ حَاضِرَ كُلِّ مَا حَبَّرْتَهُ ... مِنْ مَنْطِقٍ مُسْتَحْكَمِ الإِبْرَامِ

فِيهِ لَطَائِفُ مِنْ قَريِضٍ مُونِقٍ ... نَطَقَتْ بِذَلِكَ أَلْسُنُ الْحُكَّامِ

مُلْسُ المتُونِ لَدى السَّماعِ كأنَّهَا ... لَمْساً ومَنْظَرَةً مُتُونُ سِلاَمِ

<<  <   >  >>