وتَمَكَّنَ ابنُ أبِي سَعيدٍ مِنْ حِجَي ... مَلِكٍ بشُكْرِ بني الملوكِ سَعيدِ
- ابن أبي سعيد - يعني يزيد بن المهلب، لأن كنية المهلب أبو سعيد.
- من حجي ملك - يعني سليمان بن عبد الملك. - بشكر بني الملوك - يعني آل المهلب، أن سليمان يسعد باقي الدهر بشكرهم له.
ما خَالدٌ لِي دُونَ اَيُّوبٍ وَلاَ ... عَبْدِ العَزِيزِ وَلَسْتَ دُونَ وَليدِ
يقول: شفيعي خالد بن يزيد، وليس هو عندك بدون عبد العزيز بن الوليد، وأيوب بن سليمان عند الوليد؛ هو بك أخص من ذينك بالوليد، ولا أنت دون وليدٍ في الرأي، وجميل العفو.
نَفْسِي فِدَاؤُكَ أَيُّ بابِ مُلمَّةٍ ... لم يُرْمَ فِيهِ إلَيكَ بالإقليدِ
لَمَّا أَظَلَّتْني غَمامُكَ أَصْبَحَتْ ... تِلْكَ الشُّهُودُ عَلَىَّ وَهْيَ شُهُودِي
مِنْ بَعْدِ مَا ظَنُّوا بأنْ سَيَكُونُ لِي ... يَوْمٌ بِبَغْيِهِمِ كَيَوْمِ عَبيدِ
يعني عبيد بن الأبرص: لقي النعمان في يوم بؤسه وهو يوم كان يركب فيه، فلا يلقاه أحد إلا قتله، وخاصة أول من يلقاه، فلقيه عبيد فقتله.
نَزَعوا بَسهْمِ قَطيِعةٍ يَهْفُو بِهِ ... ريِشُ العُقُوقِ فكَانَ غَيْرَ سَدِيدِ
وإذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضيِلَةٍ ... طُويِتْ أَتَاحَ لَها لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلاَ اشْتِعالُ النَّارِ فيما جَاوَرتْ ... مَا كَانَ يُعْرفُ طِيبُ عَرْفٍ العُودِ
لَوْلاَ التَّخَوُّفُ لِلْعَواقِبِ لم تَزَلْ ... للِْحاسِدِ النُّعْمَى عَلَى المحْسُودِ
الحمد الله وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما.
[أخبار أبي تمام مع خالد بن يزيد الشيباني]
" بسم الله الرحمن الرحيم " حدثنا محمد بن يزيد النحوي، وكان قد عمل كتباً لطافاً، فكنت أنتخب منها وأقرأ عليه، فقرأت عليه من كتابٍِ سماه كتاب - الفطنِ والمحَنِ - قال: خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد بن مزيد، وإلى أرمينية، فامتدحه فأمر له بعشرة آلاف درهم ونفقةٍ لسفره، وأمره ألا يقيم إن كان عازماً على الخروج. فودعه ومضت أيام، فركب خالد ليتصيد، فرآه تحت شجرة وقدامه زكرة فيها نبيذ وغلام بيده طنبور، فقال: حبيب؟ قال: خادمك وعبدك، قال: ما فعل المال؟ فقال:
عَلَّمَني جُودُكَ السَّماحَ فَما أَبْ ... قَيْتُ شَيْئاً لَدَىَّ مِنْ صِلَتِكْ
مَا مَرَّ شَهْرٌ حَتىَّ سمَحْتُ بهِ ... كأنّ ليِ قُدْرَةً كَمَقْدُرَتكْ
تُنْقِقُ في اليَوْمِ بِالْهِبَاتِ وفي ... السَّاعَةِ مَا تَجْتَبِيِه في سَنَتِكْ
فلستُ أَدْرِي مِنْ أَينَ تُنفِقُ لَوْ ... لاَ أَنَّ رَبِّى يَمُدُّ في هِبَتِكْ
فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى فأخذها.
وكان قوله: - علمني جودكَ السماحَ - من قول ابن الخياط المديني، وقد امتدح المهدي فأمر له بجائزةٍ ففرقها في دار المهدي وقال:
لَمَسْتُ بِكَفِّي كَفَّهُ أبْتغِي الغِنَىوَلَمْ أَدْرِ أَنّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدي
فَلاَ أَنَا مِنْهُ ما أَفادَ ذَوُو الغِنَىأَفَدْتُ، وَأعْدَانِي فَبَدَّدْتُ ما عِنْدِي
فبلغ المهدي خبره، فأضعف جائزته، وأمر بحملها إلى بيته.
حدثني عبد الله بن إبراهيم المسمعي القيسي قال، حدثني أبي قال، حدثني أبو توبة الشيباني - ولم أر أفصح منه - قال: حضرت عشيرنا وأميرنا خالد بن يزيد، وعنده رجل كثير الفكاهة حسن الحديث، فأعجبني جداً، فقال الأمير أبو يزيد: أما سمعت شعره فينا؟ ما رأيت أحسن بياناً منه، ولا أفصح لسانا!
مَا لِكَثيبِ الحِمَى إلى عَقِدِهْ ... مَا بالُ جَرْعَائِهِ إلى جَرَدِهْ
إلى أن قال:
نِعْمَ لِوَاءُ الخَميسِ أُبْتَ بهِ ... يَوْمَ خَمِيسٍ عَالِي الضُحَى أَفِدِهْ
خِلْت عُقاباً بَيْضَاءَ فيِ حُجُرا ... تِ المُلْكِ طارَتْ منه وفي سُدَدِهْ
فَشَاغَب الجوَّ وَهْوَ مَسْكَنُهُ ... وقاتَلَ الرِّيحَ وَهْيَ مِنْ مَدَدِهْ
وَمرَّ تَهْفُو ذُؤابَتَاهُ عَلَى ... أَسْمَرِ مَتْنٍ يَوْمَ الوَغَى جَسِدِهْ