للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حدثني محمد بن زكريا الغلابي قال، حدثني عبيد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عديٍ عن عوانة قال: أتى الحجاج بجماعةٍ من الخوارج من أصحاب قطريٍ، وفيهم رجلٌ كان له صديقاً، فأمر بقتلهم، وعفا عن ذلك الرجل ووصله وخلى سبيله، فمضى إلى قطري فقال له قطري: عاود قتال عدو الله الحجاج، فقال: هيهات! غل يداً مطلقها، واسترق رقبةً معتقها، ثم قال:

أَأُقَاتِلُ الحجَّاحَ عَنْ سُلْطَانِهِ ... بِيَدٍ تُقِرُّ بأَنَّهَا مَوْلاَتُهُ

إِنِّي إِذَنْ لأَخُو الدَّناءَةِ والذي ... عَفَّتْ عَلَى إحْسَانِهِ جَهَلاَته

مَاذَا أَقُولُ إذَا وَقفْتُ إزَاءَهُ ... في الصَّفِّ واحْتَجّتْ لَهُ فَعَلاَتُهُ؟

أَأَقُولُ جَارَ عَلَىَّ؟ لا، إِنِّي إِذَنْ ... لأَحَقُّ مَنْ جَارَتْ عَليْهِ وُلاَتُهُ

ويُحَدِّثُ الأَقْوامُ أَنّ صَنِيعَةً ... غُرِسَتْ لَدَىَّ فَحَنْظَلَتْ نَخَلاَتُهُ؟

هَذَا وَما طِبِّي بجُبْنٍ إِنَّني ... فيكُمْ لِمطْرَقُ مَشْهَدٍ وَعَلاَتُهُ

وجدت بخط أحمد بن إسماعيل بن الخصيب أن محمد بن عبد الملك أوصل إلى الواثق قصيدةً لأبي تمامٍ يمدحه بها أولها:

وَأَبِى المَنازِلِ إِنَّهَا لَشُجُونُ ... وَعَلَى الْعُجُومَةِ إِنّهَا لَتُبِينُ

فقرئت عليه، فلما بلغ إلى قوله:

جَاءَتْكَ من نظْمِ الِّلسانِ قِلاَدةٌ ... سِمْطاَنِ فيهَا الُّلؤلُؤ المكْنُونُ

حُذَيِتْ حِذَاءَ الحَضْرَمِيَّةِ أُرْهِفَتْ ... وأَجابَها التَّخْصِيرُ وَالتّلْسِينُ

إنْسِيَّةٌ وَحْشِيَّة كَثُرَتْ بَها ... حَرَكاتُ أَهْلِ الأرضِ وَهْيَ سَكون

أمَّا المعانيِ فهْيَ أَبْكارٌ إِذَا ... نُصَّتْ وَلَكنَّ الْقَوَافِيَ عُونُ

أَحْذَاكَهَا صَنَعُ الضّمِيرِ يَمُدُّهُ ... جَفْرٌ إذَا نَضَبَ الكلاَمُ مَعِينُ

وَيُسِئُ بَالإحسَانِ ظَنّاً لا كَمَنْ ... هُوَ بِابْنِهِ وبِشِعْرِهِ مَفْتُون

يَرْمِى بهِمِتَّهِ إلَيْكَ وَهَمِّهِ ... أَمَلٌ لهُ أَبداً عَلَيْكَ حَرُون

وَلَعلَّ مَا يَرْجُوهُ مِمَّا لمْ يَكنْ ... بِكَ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً سَيَكونُ

فقال: ادفع إليه مائتي دينارٍ، فقال محمد: إنه قوى الأمل واسع الشكر، قال: فأضعفها له. وقد روينا من غير هذه الجهة أنه أمر له بمائة ألف درهمٍ.

وأنشدني محمد بن داود لأبي تمامٍ في آل وهبٍ ما أستحسنه:

كلُّ شِعْبٍ كنتُمْ به آلَ وَهْبٍ ... فَهْوَ شِعْبي وَشِعْبُ كلِّ أَدِيبِ

إِنَّ قَلْبي لكُمْ لكَاْلكَبِدِ الحَرَّ ... ى وقَلْبي لِغَيْركمُ كالقُلوبِ

ولو كان هذا البيت الثاني في مدح آل الرسول - عليهم السلام - والتفجع لما نالهم يوم كربلاء وبعده، لكان فيه أشعر الناس.

وقد روى مسعود بن عيسى قال، حدثني صالح غلام أبي تمام، المنشد كان لشعر أبي تمام، وكان حسن الوجه، قال: دخل أبو تمامٍ على الحسن بن وهبٍ، وأنا معه، وعلى رأسه جاريةٌ ظريفةٌ فأومأ إليها الحسن يغريها بأبي تمامٍ، فقالت:

يَا ابْنَ أَوْسٍ أَشْبَهْتَ في الفِسْقِ أَوْسَاوَاتَّخَذْتَ الغُلاَمَ إِلْفاً وَعِرْسَا

فقال أبو تمام:

أَبَرَقْتِ ليِ إذ لَيْسَ لِي بَرْقُ ... فتَزَحْزَحِي مَا عِنْدَنَا عِشق

مَا كُنْتُ أَفْسُقُ وَالشَّبَابُ أَخِي ... أَفَحِينَ شِبْتُ يَجْوزُ لِي الفِسْقُ؟

لِي هِمَّةٌ عَنْ ذَاكَ تَرْدَعْنِي ... وَمُرَكَّبٌ مَا خَانَهُ عِرْقُ

[أخبار أبي تمام مع آل طاهر بن الحسين]

حدثنا محمد بن إسحاق النحوي قال، حدثنا أبو العيناء عن علي بن محمد الجرجاني قال: اجتمعنا بباب عبد الله بن طاهر من بين شاعر وزائرٍ، ومعنا أبو تمام، فحجبنا أياماً، فكتب إليه أبو تمام:

أَيَّهذا العزيزُ قد مَسَّنَا الضُّرُّ ... جميعاً وَأهْلُناَ أشْتَاتُ

ولنَا في الرِّحَال شيخٌ كبيرٌ ... وَلَدَيْنا بِضَاعَةٌ مُزْجَاةُ

<<  <   >  >>