للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شَهِدْتُ جَسيماتِ العُلاَ وَهْوَ غَائِبٌ ... وَلَوْ كانَ أيضاً شَاهِداُ كان غَائبَا

فقال البحتري:

نَصَحْتُكُمُ لَوْ كان للنُّصْحِ سامِعٌ ... لَدَى شَاهِدٍ عَن مَوْضعِ الفهْمِ غائبِ

على أن محمد بن عبيد الله العتبي قد قال:

قَوْمٌ حُضُورٌ غائِبْو اْلأذْهانِ ليسَ لها قُفُولُ

وقال أبو تمام:

فإِنْ أنا لَمْ يَحْمَدْكَ عَنِّي صاغِراً ... عَدُوُّكَ فاعْلَمْ أَنَّني غَيْرُ حامِدِ

فقال البحتري:

لَيُواصِلَنّكَ ذكُر شِعْرٍ سائرٍ ... يَرْويه فيكَ لحسِنِه الأعْدَاءُ

وكأن هذا المعنى من قولهم: من فضل فلان أن أعداءه مجمعون على فضله، وقولهم: خير المدح ما رواه العدو والصديق.

وقال أبو تمام:

ونَغْمَةُ مُعْتَفِي جدْوَاهُ أَحْلَى ... على أذُنيْهِ مِنْ نَغَمِ السَّماعِ

فقال البحتري:

نَشْوانُ يطَربُ للسؤَالِ كأنما ... غَنَّاهُ مالكُ طيئٍ أوْ معبدُ

وأول من أتى بفرح المسؤول، وطلاقة وجهه، ثم أخذه الناس فولدوه فقالوا: السؤال أحلى عنده من الغناء، وراجيه أحب إليه من معطيه، زهير، قال:

تراه إذا ما جئتَه متهلِّلاً ... كأنك تُعطيهِ الذي أنتَ سائلهُ

وقال أبو تمام:

ومُجَرَّبُونَ سَقَاهُمُ من بَأسِهِ ... فَإذَا لَقُوا فكأَنَّهم أغْمَارُ

فأخذه البحتري فقال:

مَلِكٌ لهُ في كل يومِ كريهةٍ ... إِقدامُ غِرٍّ واعتزامُ مُجَرِّبِ

فأما الذي نقله البحتري نقلاً، فأخذ اللفظ والمعنى، فقول أبي تمام يصف شعره:

مُنزَّهَةٌ عن السَّرَقِ الموَرَّي ... مكرَّمةٌ عن المعْنَى المُعادِ

فقال البحتري يصف بلاغةً:

لا يَعْملُ المْعنَى المكَرَّ ... رَ فِيهِ واللفظَ المرّدَّدْ

وقال أبو تمام:

البيدُ والعِيسُ والليلُ التَّمام معاً ... ثَلاثةٌ أَبداً يُقْرَنَّ فِي قَرَنِ

فقال البحتري:

اطلُبَا ثالثاً سِوَاىَ فإِنِّي ... رَابعُ العِيسِ والدُّجَى والبِيدِ

وأخذه أبو تمام من قول ذي الرمة:

وَلَيلٍ كجِلْبَابِ العَروسِ ادَّرَعْتُهُ ... بأربعةٍ والشخْصُ في العينِ واحدُ

أَحَمُّ عِلاَفِيٌّ، وأبيضُ صارِمٌ ... وأعْيِسُ مَهْرِيٌّ، وأروعُ ماجدُ

وقال أبو تمام:

تَفيِضُ سماحةً والمُزْنُ مُكْدٍ ... وتَقْطَعُ والحُسامُ العَضْبُ نَابِي

فقال البحتري:

يَتوَقَّدْنَ والكواكبُ مُطْفاَ ... ةٌ ويَقْطَعْنَ والسُّيُوفُ نوابِي

وقال الطائي:

لا تَدْعُوَنْ نُوحَ بنَ عمرو دَعوةً ... للخطْبِ إلاَّ أَنْ يكونَ جَليلاً

فقال البحتري:

يا أبا جَعْفرٍ وما أنتَ بالمدْ ... عُوِّ إلاَّ لِكلِّ أمرٍ كُبارِ

وقال أبو تمام:

ولقد أَردتُمْ مجدَه وجهَدَتُمُ ... فإذَا أَبانٌ قَدْ رسَا وَيلَمْلَمُ!

فقال البحتري ونقله لفظاً ومعنى:

وَلَنْ يَنْقُلَ الحُسَّادُ مَجْدَكَ بعدمَا ... تمكَّنَ رَضْوَى واطمأَنَّ مُتَالِعُ

وقال أبو تمام:

وتُشَرِّفُ العُلْيا وهَلْ مِنْ مَذْهَبٍ ... عَنْها وأنتَ عَلَى المعالِي قَيِّمُ

فقال البحتري:

متقلقلً الأحْشاءِ في طلبِ العُلاَ ... حتَّى يكونَ عَلَى المعالِي قيمِّا

وقال أبو تمام:

ويلبَسُ أَخلاقاً كِراماً كأَنَّها ... عَلَى العِرْضِ من فَرْطِ الحَصانَةِ أدْرُعُ

فقال البحتري، ولم يستوف، وكذلك هو في أكثر ما ذكرت يقع دوناً:

قومٌ إذا لبسُوا الدروعَ لموقفٍ ... لبِسَتْهُمُ الأخلاقُ فيه دُروعا

وقال أبو تمام:

وقد كانَ فَوْتُ الموتِ سَهلاً فردَّهُ ... إليهِ الحِفَاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ

فقال البحتري:

ولَوَ أنَّهُ اسْتَامَ الحياةَ لِنَفسِهِ ... وجَدَ الحياةَ رخيصَةَ الأسْبابِ

وهذا أيضاً من قول الآخر:

ولو أنهم فَرُّوا لكانُوا أعِزَّةً ... ولكنْ رَأَوْا صَبْراً على الموتِ أكرمَا

وقال أبو تمام:

<<  <   >  >>