للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسنة. وجادلهمْ بالتي هي أحسن: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة، من الرفق واللين من غير فظاظةٍ ولا تعنيف.

وسائل الدعوة إلى الله في هذه الآية اثنتان فقط: الحكمة والموعظة الحسنة. أما الجدال بالتي هي أحسن فليس من وسائل الدعوة، ولا يقصد منه عرض الدعوة على الذي يجادله، غاية الجدال هي إقناع المعاندين بترك العناد، وبالبحث العلمي المنهجي، والهدف منه هو أن يزحزح هؤلاء عن مواقعهم عن طريق الجدال، لينتقلوا بعد ذلك إلى موقعٍ آخر، يكونون قريبين فيه من الدعوة، مستعدين لقبولها. عندها يستخدم معهم وسيلتي الدعوة: الحكمة والموعظة الحسنة، ليحقق الغاية، ويلتزموا بالدعوة. فالجدال إنما هو تقريبٌ للخصوم إلى باب الدعوة، وليس عرضها عليهم.

نأخذ هذا من صياغة الآية: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

فالموعظة معطوفةٌ على الحكمة، وهما متعلقتان بفعل الأمر " أُدْعُ " وباء الاستعانة. أما "جادلهم" فإنها معطوفة على " ادع " - لأنهما فعلا أمر. أي اُدع وجادل. ولو كان الجدال من أساليب الدعوة لقال: ادع بالحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن.

وفي هذا يقول الإمام الرازي: ومن لطائف هذه الآية أنه قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، فقصر الدعوة على هذين

القسمين. لأن الدعوة إن كانت بالدلائل القطعية فهي الحكمة، وإن كانت بالدلائل الظنية فهي الموعظة الحسنة. أما الجدال فليس من باب الدعوة، بل المقصود منه غرضٌ آخر، مغايرٌ للدعوة، وهو الإلزام والإفحام. فلهذا السبب

<<  <   >  >>