ويقدم هؤلاء الناصحون النصائح للدعاة، بوجوب مراعاة القول الليِّن في خطاب المسؤولين، ويفسرون لهم القول اللين تفسيراً خاصاً خاطئاً:
إن القول اللين يتمثل في السكوت عن مخالفات المسؤولين ومنكراتهم ومفاسدهم، وغض النظر عن الممارسات والسلوكيات الخاطئة التي يقومون بها. القول اللين يعني: إذا شاركهم في مجلس أو حفلة أو لقاء أو اجتماع، وجرت فيه منهم مخالفات ومنكرات، أن يصمت الدعاة، وكأنهم لم يروا ولم يسمعوا ولم يلاحظوا. القول اللين يعني: إذا فكر هؤلاء في الكلام والتذكير، فليكن بأخفض صوت وألينه وأضعفه، وبلهجة بسيطة ذليلة، تُخرج النصيحة الخافتة والتذكير الميت، بسيل من الثناء والمدح والإشادة.
أما إذا وقف الداعية أمام المسؤول برجولةٍ وثبات، وأنكر عليه مخالفاته ومنكراته بوضوحٍ وتحديد، وقال كلمة الحق بجهرٍ وجرأةٍ وشجاعة، وذكّره بالواجب بإقدامٍ وثبات، إذا فعل هذا فقد خالف الأمر الوارد في الآية، وما قال لهذا المسؤول قولاً ليناً.
ويورد هؤلاء الناصحون مثالاً على هذا الفهم بما جرى أمام الخليفة العباسي المأمون: حيث يروون أنه قدم أحد العلماء الدعاة الرجال على المأمون، فذكَّره بالله ووعظه ونصحه، وأنكر عليه مخالفات قام بها، بجرأة وشجاعة وثبات. فقال له المأمون: يا هذا إنك خالفت أوامر الله، إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شرٌّ مني. أرسل موسى إلى فرعون، فقال له:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا}.
فما هو القول اللين؟ وكيف قدمه موسى عليه السلام لفرعون؟ وماذا فهم الدعاة السابقون؟ وماذا نستفيد نحن من ذلك؟
علَّلت الآية الحكمة من القول اللين لفرعون:{فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فالقول اللين يرقق القلوب، ويزيل ما فيها من جفوةٍ