وهذه الآية هي بيانٌ لما يرضاه الله ومايامر به. وتقريرٌ لما يليق به سبحانه في هذا الموضوع -ارتكاب المحرمات والمعاصي والذنوب-.
إن الإِنسان هو الفاعل لما يختار. فهو الذي قد يقوم بالكفر والمعصية والفاحشة -ونلاحظ الفاعل في فعل " تكفروا "- فإذا فعل ذلك، فإنه لن يضر الله بجريمته، لأن الله غنيٌّ عنه، وسبحان من لا تضرّه معصية!.
ثم إن الله لا يقبل من هذا كفره وفجوره ومعصيته، ولا يرضاه -ونلاحظ الفاعل في فعل " لا يرضى لعباده "- فالإنسان هو الذي يختار الكفر، والله هو الذي لا يرضاه له.
أما إذا اختار الإنسان الإيمان والطاعة، وقام بالشكر لربه -فهو فاعل " تشكروا "- فإنه ينال بذلك رضوان الله، لأن الله هو الذي يرتب عليه الرضى -فهو فاعل " يرضه " والمفعول به هو الشكر- ويحقق له القبول، ويفيض على عبده الشاكر ما يفيض من رضوانه وتوفيقه وإنعامه.
إن الله خلق الإنسان مزدوج الاستعداد، عنده استعدادٌ للسير في طريق الخير، واستعدادٌ للسير في طريق الشر. {إِنّا هَدَيْناهُ السبيل إِمّا شاكِراً وَإِمْا كَفوراً}، وإن الله جعل فيه القدرة على اختيار أي الطريقين، ومتابعة السير فيها. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} -وَنَدعو إلى إمعان النظر في الأفعال الستة، وملاحظة الفاعل في كل فعل منها، وتوظيف هذا في استخلاص لفتات إيمانية عقيدية في موضوع الهدى والضلال-.
وهذا الإنسان في اختياره لجانب الهدى أو الضلال، لن يخرج عن مشيئة الله سبحانه وعلمه، فإن الله هو الذي شاء له ذلك، وعلم ما سيقوم به: