للصلح، وجنحوا للسّلم، وتركوا القتال. فعلى المسلمين أن يجنحوا للسّلم، وأن يقبلوا الصلح.
لا تجيز الآية للمسلمين أن يبدأوا هم بالجنوح إلى السلم، وطلب الصلح، وإنما تُجيز لهم أن يَقبلوا جنوحَ الكافرين للسلم وطلبهم للصلح.
على الكافرين أن يبدأوا بالجنوح ويخطوا الخطوة الأولى، وعلى المسلمين أن يقبلوا ذلك ويخطوا الخطوة الثانية.
وهذا ما نأخذه من صياغة الآية:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}، حيث جاءت جملةً شرطية، وجواب الشرط دائماً مترتبٌ على فعل الشرط.
{جنحوا للسلم} فعل الشرط، والذين يقومون بالفعل هم الكفار.
{فاجنح لها} جواب الشرط، والذين يقدِّمون الجواب هم المسلمون.
ولا يمكن أن نأخذ من الآية أن يبدأ المسلمون بطلب الصلح والجنوح للسلم
-كما يريد أن يفهم ذلك بعض المحرِّفين لمعاني القرآن-.
والجُنوح هو الميل كما قال الراغب:{وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}، أي مالوا. من قولهم: جنحت السفينة، أي مالت إلى أحد جانبيها.
وهناك لفتةٌ لطيفةٌ في جعل الدعوة إلى الصلح والجنوح إلى السلم، بيد الكفار، وذلك لأن الذي يوجّه هذه الدعوة، ويميل إلى المسالمة، ويعدل عن الجهاد والقتال، يكون -غالباً- في موقف الضعيف العاجز عن القتال والجهاد، وهذا الضعف قد يقود إلى الذلة والهزيمة. كما أن نتيجة مسالمة هذا الجانح للسلم ومفاوضته مع خصومه، تجعله -غالباً- في موقف الخنوع والخضوع، وتوصله -غالباً- إلى الذلة والمهانة، والاستسلام للخصم، والاستجابة لطلباته.