للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلام الزمخشري هنا لطيفٌ وطيبٌ وحسن. حيث اعتبر نعمة الله على الناس، ذريعةً للطاعة، وسبباً للتقوى، ووسيلة للشكر.

وهؤلاء المترفون لم يستخدموا هذه النعمة كما يريد الله، ولم يؤدوا فيها حق الله، بل جعلوها ذريعة للفسق والمعصية، وهم لولا هذه النعمة لما تمكنوا من المعصية، ولولا الترف لما تمكنوا من الفسوق واتباع الشهوات.

لقد لاحظ الزمخشري تصرفهم في المال، واستخدامهم للنعمة. وهذا الْتفاتٌ منه إلى أهمية السلوك والتصرف والممارسة العملية، لأن لسان الحال أبلغ من لسان المقال، ومجال العمل أكثر دلالة على حقيقة ما في النفس.

وذهب كثيرٌ من المفسرين إلى أن المراد بالأمر في الآية، الأمر بالمعروف الذي هو ضد النهي، وأنه على ظاهره، وأن متعلقه محذوف، وأن فيها تقديراً.

ومعنى الآية عند هؤلاء: {أمرنا مترفيها}: بطاعة الله وتوحيده، وتصديق رسله، واتباعهم فيما جاءوا به. {ففسقوا}: أي خرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه وكذبوا رسله. {فحق عليها القول}: أي وجب عليها الوعيد. {فدمرناها تدميراً}: أي أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً، وأكد فعل التدمير بمصدره للمبالغة في شدة الهلاك الواقع بهم.

وقد علق الإمام الشنقيطي في أضواء البيان على هذا القول الذي أورده بقوله: " وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة ".

وبقوله: " وهذا القول الصحيح في الآية جارٍ على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم: أمرته فعصاني، أي أمرته بالطاعة فعصى، وليس المعنى: أمرته بالعصيان ".

<<  <   >  >>