روى البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى:{حَتَّى إِذا اسْتَيْأَسَ الرسُلُ وَظَنُوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبوا جاءَهُمْ نَصْرُنا}، كُذِّبوا، أو كُذِبوا؟ قالت: بل كذَّبهم قومهم. فقلت: والله، لقد استيقنوا أن قومهم كذَّبهم، وما هو بالظن. فقالت: يا عريَّة (تصغير عروة) أجل، لقد استيقنوا بذلك. فقلت: لعلها " قد كُذِبوا "، فقالت: معاذ الله!! لم تكن الرسل تظن ذلك بربها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدَّقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذَّبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك.
وهذا حوارٌ علمي طريفٌ ونقاشٌ هادئ، بين عائشة وعروة رضي الله عنهما. فهل " كذبوا " بالتخفيف أو التشديد.
عائشة - رضي الله عنها - تنكر أنها مخففة، ومعها دليلها أن الرسل لا يظنون أن الله قد أخلفهم ما وعدهم، ومن ثم أكذبهم، وأظهرهم كاذبين أمام قومهم. ورَدَّت هذه القراءة لأنها جعلت الفاعل في فعل " ظنوا " عائداً على الرسل، وهو على هذا القول مستحيل.
القراءة المعتمدة عندها هي بالتشديد، ولا تبخل عائشة على عروة ولا علينا بتفسير الآية على هذا القول: استيأس الرسل ممن كذبهم، وعلموا أنهم لن يؤمنوا بهم، واشتد البلاء عليهم، فظنَّ هؤلاء الرسل أن أتباعهم المؤمنين بهم قد كذبوهم، فيما وعدوهم به، عندها جاءهم نصر الله.
لكن لنا استدراكٌ على كلام عائشة رضي الله عنها، لا نقبل رأيها في رد القراءة بالتخفيف، بل إننا نعتمدها لأنها كلام الله.