وهاتان الآيتان -وأشباههما- تنطبقان على مسلمين معاصرين، حرَّفوا مفاهيم القرآن، وقسَّموه إلى أقسام، آمنوا ببعضها وكفروا ببعض، وقرطسوا القرآن، فأخفوا بعض موضوعاته التي لا تُرضي الظالمين والمعتدين، وأظهروا بعضها مما يوافق هواهم ومزاجهم.
لا يريد هؤلاء المحرِّفون -ولا أسيادهم من الظالمين- بيان مدلولات الآيات ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية أو الاقتصادية، تلك التي تتحدث عن الجهاد، وتحدِّد الصلة بالأعداء، وتتكلم عن السلم والحرب، والعزة والذلة، والحكم والتشريع، والألوهية والحاكمية.
لا مانع عند هؤلاء -وأسيادهم من الظالمين- سماع وإسماع وتفسير الآيات، التي تتحدث عن الثواب والعقاب والجنة والنار، والصلاة والزكاة، والذكر والصوم والحج.
قرطسوا القرآن، فأظهروا بعضه، وأخفوا الكثير من معانيه. وجزَّءوا القرآن، فآمنوا ببعضه، وكفروا بالكثير من معانيه.
وطُمِس على قلوب هؤلاء وبصائرهم، ووصلت الفتن إلى قلوبهم وسيطرت عليها، وأصبحوا يتحركون بقلوب مفتوفة، لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، إلا ما يوافق مزاجها وهواها وشهواتها.
أصبح الواحد من هؤلاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عنه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:" لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشْرب من هواه "(١).