للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقام ينشد شملاً غير متفق ... من آل ليلى، وشعباً غير ملتئم

وقال ذو الرمة غيلان:

أإن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم؟!

منازل الحي، إذ لا الدار نازحة ... بالأصفياء، وإذ لا العيش مذموم

تعتادني زفرات حين أذكرها ... تكاد تنفد منهن الحيازيم

وقال البحتري:

أرى بين ملتف الأراك منازلاً ... مواثل لو كانت مهاها مواثلا

فقف مسعداً فيهن إن كنت عاذراً ... وسر مبعداً عنهن إن كنت عاذلا

لقينا المغاني باللوى، فكأننا ... لقينا الغواني الآنسات عواطلا

وقال القاضي أبو الفتح محمود بن إسماعيل بن قادوس - منشئ ديوان الرسائل بمصر - من ابتداء قصيدة:

هذي منازل من هويت فيمم ... واربع، وسح بربعها ديم الدم

عجنا فمن صب بصب دموعه ... درب، ومن متعمل متعلم

وقال آخر:

وقفت لليلى بعد عشرين حجة ... بمنزلة فانهلت العين تدمع

كأن زماماً في الفؤاد معلقا ... تقود به حيث استمرت وأتبع

وقال آخر:

ما للمنازل لا يجبن حزبنا ... أصممن أم قدم البلى فبلينا؟!

لا، بل بلين فهجن داء ساكناً ... لمتيم، وأثرن منه دفينا

روحوا العشية روحة مذكورة ... إن متن متن، وإن حيين حيينا

قلت: مرت بي هذه الأبيات في خبر استطرفته فأوردته، وليس مما قصدت له، لكن الأبيات أوجبت إيراده.

روى أن المأمون أمر أن يحمل إليه عشرة من الزنادقة سموا له من أهل البصرة، فجمعوا، وأبصرهم طفيلي، فقال: ما اجتمعوا هؤلاء إلا لصنيع، فانسل فدخل في وسطهم، ومضى بهم الموكلون، حتى انتهوا إلى زورق قد أعد لهم، فدخلوا في الزورق، فقال الطفيلي: هي نزهة، فدخل معهم الزورق، فلم يكن بأسرع من أن قيد القوم، وقيد معهم الطفيلي، ثم سير بهم إلى بغداد، فلما دخلوا على المأمون جعل يدعوا بأسمائهم رجلاً رجلاً، ويأمر بضرب أعناقهم، حتى وصل إلى الطفيلي وقد استوفى العدة،، فقال للموكلين: ما هذا؟ قالوا: والله ما ندري غير أنا وجدناه مع القوم فجئنا به، فقال له المأمون: ما قصتك؟ ومن أنت؟ فقال: يا أمير المؤمنين امرأته طالق إن كان يعرف من أقاويلهم شيئاً، ولا مما يدينون به، وإنما أنا رجل طفيلي، رأيتهم مجتمعين، فظننت صنيعاً يدعون إليه، فضحك المأمون، وقال: يؤدب، وكان إبراهيم بن المهدي قائماً على رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين هب لي أدبه، وأحدثك بحديث عجيب عن نفسي، قال: قل يا إبراهيم، قال: خرجت من عندك يوماً، وطفت في سكك بغداد متطرباً حتى انتهيت إلى موضع، فشممت من أبازير قدر قد فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها وغلى طيب رائحتها، فوقفت على خياط، فقلت: لمن هذه الدار؟ فقال: لرجل من التجار البزازين، قلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، ثم رميت بطرفي إلى شباك فيها مطل، فنظرت إلى كف قد خرج على معصم، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكف والمعصم عن رائحة القدر، فبقيت باهتاً ساعة، ثم أدركني ذهني، فقلت للخياط: هو ممن يشرب النبيذ؟ قال: نعم، وأحسب أن عنده دعوة، وليس ينادم إلا تجاراً مثله مستورين، [فبينا] أنا كذلك إذ أقبل رجلان جليلان راكبان من رأس الدرب، فقال لي الخياط: هؤلاء منادموه، فقلت: ما اسماهما وكنهما؟ فقال: فلان وفلان، فحركت دابتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما قد استبطأكما أبو فلان - حرسه الله - وسايرتهما حتى أتيا الباب، فأجلاني، وقدماني، فدخلت ودخلا، فلما رآني معهما صاحب المنزل لم يشك أني منهما بسبيل، أو قادم قدم عليهما من موضع، فرحب بي وأجلسني في أفضل المواضع، فجيءيا أمير المؤمنين بالمائدة، وعليها خبز نصف، وأتينا بذلك اللون، فكان طعمه أطيب من ريحه، فقلت في نفسي: هذه الألوان قد أكلتها، بقيت الكف، كيف أصل إلى صاحبتها؟ ثم رفع الطعام، وجيء بالوضوء، ثم صرنا إلى مجلس الشراب والمنادمة، فإذا أشكل منزل يا أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطف بي، ويقبل علي بالحديث، وجعلوا لا يشكون أن ذلك منه عن معرفة متقدمة، حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية كأنها جان، تتثنى كالخيزران، فأقبلت فسلمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة، فجلست، وأتي بعود، فوضع في حجرها، فجسته فتوهمت في جسها حذقها، ثم اندفعت تغني:

<<  <   >  >>