للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإني على هجران بيتك كالذي ... رأى نهلاً رياً وليس بناهل

رأى برد ماء ذيد عنه وروضة ... برود الضحى فينانة بالأصائل

وقال قيس بن ذريح:

أرى بيت لبنى أصبح اليوم يهجر ... وهجران لبنى

يا لك الخير

منكر

فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ... فللدهر والدنيا بطون وأظهر

أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وأنت عليها بالملا كنت تقدر

وقال كثير:

ما بال ذا البيت الذي كنت آلفاً ... أنارك فيه بعد إلفك نائر؟

تزور بيوتاً حوله ما تحبها ... وتهجره؟! سقيا لمن أنت هاجر

قال بعضهم: خرجت [أنا] والأحوص بن محمد الأنصاري مع عبد الله بن الحسن إلى الحج، فقلنا لعبد الله: لو أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل، فأنشدنا من شعره؟ فأرسل إليه، فأتانا، فاستنشدناه، فأنشدنا قصيدته التي أولها:

يا بيت خنساء الذي أتجنب ... ذهب الشباب وحبها لا يذهب

أصبحت أمنحك الصدود وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأجنب

مالي أحن إذا جمالك قربت ... وأصد عنك وأنت مني أقرب؟!

وأرى البعيد يحبكم فأحبه ... إن كان ينسب منك أو يتنسب

لله درك؟ هل لديك معول ... لمتيم، أم هل لودك مطلب

تبكي الحمامة شجوها فتهيجني ... ويروح عازب همي المتأوب

وتهب جارية الرياح من أرضكم ... فأرى البلاد لها تطل وتخصب

وأرى السمية باسمكم فيزيدني ... شوقاً إليك سميك المتنسب

وأخالق الواشين منك تجملاً ... وهم على ذوو ضغائن درب

ثم اتخذتهم على وليجة حتى غضبت، ومثل ذلك يغضب

قال: فلما كان من قابل حج أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فقدم المدينة، فدخل عليه الأحوص، فاستصحبه، أي طلب منه أن يصحبه إلى دمشق، فوعده أبو بكر بذلك، فلما خرج الأحوص قال له بعض جلسائه: تقدم بالأحوص الشام، وفيه من يناسبك من بني أبيك، وهو من السفه على ما قد علمت؟، فلما أراد أبو بكر الرجوع من الحج، دخل عليه الأحوص مستنجزاً لما وعده من الصحابة، فدعا له بمائة دينار، وأثواب، وقال: يا خال إني نظرت فيما سألتني فكرهت أن أهجم بك على أمير المؤمنين من غير إذن، فيحجبك، فيشمت بي عدوي من أهل بيتي، ولكن خذ هذه الدنانير والثياب، وأنا استأذن لك أمير المؤمنين، فإذا أذن لك كتبت إليكفقدمت، قال: لا، ولكني قد سبعت عندك، ولا حاجة لي بعطيتك، ثم خرج من عنده، وبلغ ذلك أخاه عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وهو يومئذ أمير المدينة فأرسل إلى الأحوص، فأتاه، فلما دخل عليه أعطاه مائة دينار، وكساه ثياباً فأخذ ذلك منه، ثم قال له: يا خال هب لي عرض أخي أبي بكر، قال: هو لك، ثم خرج الأحوص، فقال في عراض قصيدة سليمان بن أبي دباكل قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز، أولها:

يا بيت عائكة التي أتعزل ... حذر العدى، وبه الفؤاد موكل

إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسماً إيك مع الصدود لأميل

هل عيشنا بك في زمانك راجع ... فلقد تفاحش بعدك المتعلل

وتجنبي بيت الحبيب أوده ... أرضى البغيض به حديث معضل

ولئن صددت لأنت ... لولا رقبتي

أهوى من اللائي أزور وأدخل

أين الشباب وعيشنا اللذ الذي ... كنا به زمناً نسر ونجذل

ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزناً يعل به الفؤاد وينهل

إلا تذكر ما مضى وصبابة ... منيت لقلب متيم لا يذهل

أودي الشباب وأخلفت أيامه ... وأنا الحزين على الشباب المعول

والقصيدة طويلة، ثم خرج فيها إلى مدح عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وشكره، ثم ختمها بقوله:

وأراك تفعل ما تقول، وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل

وأرى المدينة حين صرت أميرها ... أمن البريء بها، ونام الأعزل

فلما أنشدها قال عمر - رضي الله عنه -: ما أراك أعفيتني مما استعفيك منه؛ ذلك أنه مدح عمر، وعرض بأخيه أبي بكر.

وقال الأحوص، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح:

أدور، ولولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور

وما كنت زواراً، ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بد أن سيزور

<<  <   >  >>