أفي كل يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنساناهما غرقان؟!
إذا اغرورقت عيناي قال صحابتي ... لقد أولعت عيناك بالهملان
عن حفص بن الأروع قال: رأيت صبية في بلاد طيء، فقلت لها: أي البلاد أحب إليك؟ فقالت:
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي، وسلمى، أن يصوب سحابها
بلاد بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها
وقال التهامي:
إذا اشتد شوقي قلت قول متيم ... ليوم النوى في القلب منه كلوم
فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فمن ذا الذي من ريبهن سليم؟
وأنشدت شعراً قاله ذو صبابة ... كئيب شجته أربع ورسوم
"سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ما يروى به ويسيم
وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحل به شخص على كريم"
وقال قيس بن ذريح:
وما من حبيب آمن لحبيبه ... ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الخلق
قفر بلاقع
وما كل ما منتك نفسك خالياً ... تلاقي، ولا كل الهوى أنت تابع
ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى ... لما حملته بينهن الأضالع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم والليل جامع
وقال القاضي أبو الفرج سلامة بن بحر، وتروي للقاضي النعمان المصري:
نوح حمام بيثرب غرد ... هيج شوقي، وزاد في كمدي
واكبدي من فراقهم، وكذا ... من ذاق ما ذقت صاح: واكبدي!
فارقت إلفي فصار في بلد ... بالرغم مني، وصرت في بلد
وقال آخر:
وأنت التي حببت شغباً إلى بدا ... إلي وأوطاني بلاد سواهما
حللت بهذا مرة ثم مرة ... بهذا، فطاب الواديان كلاهما
[١٤- فصل في ذكر الدار]
روى عن يزيد بن الأصم أن الأنصار - رضي الله عنهم - قالوا: "يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين - رضي الله عنهم - الأرض نصفين: قال صلى الله عليه وسلم: لا، ولكنكم تكفونهم المئونة، وتقاسمونهم الثمرة، والأرض أرضكم، قالوا: رضينا، فأنزل الله عز وجل: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) .
وقوله تبارك وتعالى: (لهم دار السلام عند ربهم) هي الجنة، وفي تسميتها دار السلام وجهان: أحدهما: لأنها دار السلامة الدائمة من كل آفة.
والثاني: السلام هو الله سبحانه، والجنة داره.
وفي قوله تعالى: عند ربهم وجهان: أحدهما: يعني أن دار السلام عند ربهم في الآخرة؛ لأنها أخص به.
والثاني: معناه أن لهم عند ربهم أن ينزلهم دار السلام.
وكذلك جاء في قوله تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام) .
وقوله عز وجل: (ولدار الآخرة خير، ولنعم دار المتقين) قيل فيه: إن الآخرة خير من الدنيا؛ لفناء الدنيا وبقاء الآخرة.
(ولنعم دار المتقين) قال الحسن - رضي الله عنه -: نعم دار المتقين الدنيا، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة، ودخول الجنة.
وقوله تبارك وتعالى: إخباراً عن قارون: (فخسفنا به وبداره الأرض) قال ابن عباس - رضي الله عنه -: شكا موسى - عليه السلام - إلى الله - عز وجل - قارون، فأمر الله تعالى الأرض أن تطيع موسى، فلما أقبل قارون وشيعته، قال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى أوساطهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم قال خذيهم، فخسف بهم، وبدار قارون وكنوزه.
وروى يزيد الرقاشي - رحمه الله - أن قارون لما أخذته الأرض إلى عنقه أخذ موسى - عليه السلام - نعليه، فخفق بهما وجهه، فقال قارون: يا موسى ارحمني، فقال الله تعالى: يا موسى ما أشد قلبك! دعاك عبدي واسترحمك فلم ترحمه، وعزتي لو دعاني لأجبته.
وروى سمرة بن جندب أنه يخسف بقارون وقومه في كل يوم قدر قامة، لا يبلغ الأرض السفلى إلى يوم القيامة.
وقال مقاتل: لما أمر موسى عليه السلام الأرض فابتلعت قارون، قال بنو إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله؛ لأنه كان ابن عم موسى أخي أبيه، فخسف الله تعالى بداره وجميع أمواله بعد ثلاثة أيام.