والنصف يكفيك من التعدي ... وصاحب كالدمل الممد
حملته في رقعة من جلدي ... أرقب منه مثل حمى الورد
حتى مضى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتي من زهدي
ومدح فقال:
واسلم وحييت أبا الملد ... مفتاح باب الحدب المنسد
مشترك النبل ورى الزند ... أغر لباساً ثياب المجد
والأرجوزة طويلة، فطرب عقبة بن سلم وأجزل صلته، وقام عقبة بن رؤبة فخرج عن المجلس بخزي، وهرب من تحت ليلته [فلم يعد إليه] .
[٥- فصل في ذكر الربع]
قال الأحوص:
قد لعمري بت ليلى ... كأخي الداء الوجيع
ونجي الهم مني ... بات أدنى من ضجيعي
كلما أبصرت ربعاً ... خالياً فاضت دموعي
وقال أبو تمام:
أقشيب ربعهم أراك دريسا ... وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا
ولئن حبست على البلى لقد اغتدى ... دمعي عليك إلى الممات حبيسا
وأرى ربوعك موحشات بعد ما ... قد كنت مألوف المحل أنيسا
وقال أيضاً:
أجل أيها الربع الذي خف آهله ... لقد أردكت فيك النوى ما تحاوله
أسائلكم: ما باله حكم البلى ... عليه!، وإلا فاتركوني أسائله
وقفنا على جمر الوداع عشية ... ولا قلب إلا وهو تغلي مراجله
وقال أيضاً:
سلم على الربع من سلمى بذي سلم ... عليه وسم من الأيام والقدم
ما دام عيش لبسناه بساكنه ... لدنا، ولو أن عيشاً دام لم يدم
يا منزلاً أعنقت فيه الجنوب على ... رسم محيل، وشعب غير ملتئم
هرمت بعدي والربع الذي أفلت ... منه بدورك معذور على الهرم
وقال أيضاً:
يا موسم اللذات غالتك النوى ... بعدي فربعك للصبابة موسم
ولقد أراك من الكواعب كاسياً ... فاليوم أنت من الكواعب معدم
لحظت بشاشتك الحوادث لحظة ... ما زلت أعلم أنها لا تسلم
قيل: خرج يحيى بن خالد بن برمك يوماً من داره يريد الرشيد، فمر ببعض أفنية قصره، فرأى على بعض حيطانه مكتوباً:
أنعموا آل برمك ... وارقبوها متى هيه
وارقبوا الدهر أن يدو ... ر عليكم بداهيه
فوجم وجزع لذلك، ثم دخل - في ذلك اليوم - عليه أبو نواس، فأنشده:
أربع البلى إن الخشوع لباد ... عليك وإني لم أخنك ودادي
فمعذرة مني إليك بأن ترى ... رهينة أرواح وصوب غواد
ولا أدرأ الضراء عنك بحيلة ... فما أنا فيها قائل لسعاد
وإن كنت قد بدلت بؤسي بنعمة ... لقد بدلت عيني قذى برقاد
إلى أن بلغ إلى قوله:
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني برمك من رائحين وغاد
فتطير، فنكب في تلك الليلة.
كان محمد بن واسع - رحمه الله - يمر برباع إخوانه بعد موتهم، فيناديهم: أي فلان، أي فلان، ثم يرجع إلى نفسه فيقول: ماتوا والله، وإن نعلاً فقدت أختها لسريعة اللحاق بصاحبتها.
وقال الفند الزماني، واسمه شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان:
أشجاك الربع أقوى والديار ... وبكاء المرء للربع خسار
أي لب لامرئ في قدره ... عائذ بالحزن إذ تشجيه دار
إنما يبكي الألى كانوا بها ... فانتأوه بعد ما شط المزار
يخرب الدهر ويبني جاهداً ... وخراب الدهر للدار عمار
(هذا قلب، أراد عمارتها خراب لها) :
أيها الباكي على ما فاته ... أقصرن عنك، فبعض القول عار
ليس يغني جزع القوم إذا ... وقع الأمر بهم إلا الغيار
(يقول: ليس يغني عنهم أن يجزعوا، ولكن أن يغيروا) .
فاجزعوا للأمر، أو لا تجزعوا ... قد تداعى السقف وأنهار الجدار
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
سائلاً الربع بالبلى وقولاً ... هجت شوقاً لنا الغداة طويلا
أين حي حلوك إذ أنت محفو ... ف بهم آهلاً أراك جميلاً
قال: ساروا بأجمع فاستقلوا ... وبكرهي لو استطعت سبيلا
وقال حفص الأموي:
يا ربع أين انتجع الحاضر ... جادك نوء الجبهة الماطر
مالي أرى مغناك قفراً كأن (م) ... لم يله في ساحته سامر
أصبح قد ردى ثوب البلى ... فالآي منه مخلق دائر
وقد أراه قبل صرف النوى ... يعدب من بهجته الناظر
وقال أبو حية النميري: