للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الفرزدق، همام بن غالب، يرثي همام بن ناشرة، أحد بني عامر:

وقفت فأبكتني بدار عشيرتي ... على رزئهن الباكيات الحواسر

غدوا كسيوف الهند وراد حومة ... من الموت أعيا وردهن المصادر

محامين حاموا عن حريم، وحافظا ... بدار المنايا، والقنا متشاجر

كأنهم تحت الخوافق إذ غدوا ... إلى الموت أسد الغابتين الهواصر

ولو أن سلمى نالها مثل رزئنا ... لهدت، ولكن تحمل الرزء عامر

عن الشعبي قال: كنت عند عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضوان الله عليهما - فأنشدته قول حارثة بن بدر الغداني:

وكان لنا نبع تقينا فروعه ... فقد بلغت إلا قليلاً عروقها

وشيب رأسي واستخف حلومنا ... رعود المنايا حولنا وبروقها

وإنا لتستحلي المنايا نفوسنا ... وتترك أخرى مرة ما تذوقها

رأيت المنايا باديات وعوداً ... إلى دارنا، سهلاً إلينا طريقها

وقد قسمت نفسي فريقين: منهما ... فريق مع الموتى، وعندي فريقها

فقال لي ابن جعفر - رضي الله عنهما: نحن كنا أحق بهذا الشعر، وجاءه غلام بدراهم في منديل، فقال: هذه غلة أرضك بمكان كذا وكذا، فقال: ألقها في حجر الشعبي، فرمى بها إلي وقال أبو دواد الإيادي:

لا أعد الإقتار عدماً ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام

من رجال من الأقارب فادوا ... من خذام، هم الرؤوس العظام

[فادوا] يريد ماتوا [خذام] : قبيلة.

من رجال أبوهم وأبو عمرو وكع ... ب بيض الوجوه وسام

وشباب كأنهم أسد غيل ... حالفت فرط حدها الأحلام

(حالفت ... إلخ) يريد خالط حدتهم حلم.

وكهول بني لهم أولوهم ... مأثرات يهابها الأقوام

فيهم للملاينين أناة ... وعرام إذا يراد العرام

وسماح لدى السنين إذا ما ... قحط القر، واستقل الغمام

(استقل) : ارتفع

سلط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام

وكذاكم يصير كل أناس ... سوف

حقاً

تبليهم الأيام

فعلى إثرهم تساقط نفسي ... حسرات، وذكرهم لي سقام

وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -:

بني أبي، قد رمى فيكم بشكته ... ونال ما شاء هذا الأزلم الجذع

كنتم نجوماً لدى الدهناء زاهرة ... تضيء منها الدياجي السود والدرع

إن تخب أنواركم من بعد ما صدعت ... ثوب الدجى، فلضوء الصبح منقطع

أرسى النسيم بناديكم، ولا برحت ... حوامل المزن في أجداثكم تضع

وقال زبان بن منظور بن سيار:

لئن فجعت بالقرناء يوماً ... لقد متعت بالأمل البعيد

وما تجد المنية فوق نفسي ... ولا نفس الأحبة من مزيد

ألسنا أنفساً، وبني نفوس ... ولسنا بالسلام ولا الحديد

قال الأصمعي: أنشدني المذحجي لأم معدان الأنصارية:

لا يبعد الله فتياناً رزئتهم ... بانوا لوقت مناياهم فقد بعدوا

أضحت قبورهم شتى، وتجمعهم ... زو المنون، ولم يجمعهم بلد

الزو: الهلاك واختلاف المنية

ميت بمصر، وميت بالعراق ومي ... ت بالحجاز، منايا بينهم بدد

رعوا من المجد أكنافاً إلى أجل ... حتى إذا بلغت أظماؤهم وردوا

كانت لهم همم فرقن بينهم ... إذا القعاديد عن أمثالها قعدوا

فعل الجميل، وتفريج الجليل ... وإعطاء الجزيل إذا لم يعطه أحد

قلت: لي أبيات تشبه معنى هذه الأبيات، وهي شرح حال صحيحة، لا على مذاهب الشعراء وذلك أنني مر بي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبر أبويه، أو أحدهما في كل جمعة غفر له، وكتب براً" فآسفني ما حرمته من زيارتهما، وشتات شملنا أحياء وأمواتاً، فقلت:

نافستني صروف دهري في الفو ... ز ببر الآباء في الرجم

لو كنت أسطيع أن أزورهما ... مشياً على الرأس لا على القدم

لكن بمصر قبر، وفي شي ... زر قبر وداري بمنتأى العجم

والظلم في الأرض ما نعي كل ... ل ما أبغيه حتى زيارة الرمم

وما ظننت الذي لقيت من الد ... نيا تراه عيناي في الحلم

وقال آخر:

<<  <   >  >>