للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول هذا باب عقدناه لذكر من صال وجال وذكر محبوبه حين تكسرت النصال في كل موقف الوقوف فيه هزيمة والموت غنيمة ولا سيما إذا أقيمت القسيء مقام الحواجب والتبست الخود بنهود الكواعب واشتبهت الرماح بالقدود والببيض بحمرة الخدود هنالك يجعل حبيبه المشار إليه نصب عينيه ولا يلهيه عنه ضرب الحسام ولا جعله غرضاً للسهام وعلى هذا حكاية الطغرائي التي أربي فيها على عنترة العبسي وزاد بها في الوفاء بشرط المحبة على كل جني وأنسي وهي ما حكاه غير واحد من أرباب التاريخ ممن خبر وخبر وتصدى وتصدر وذلك أن مؤيد الدين فخر الكتاب أبا إسماعيل الحسين الأًبهاني المنشيء المعروف بالطغرائي كاتب الإنشاء للملك مسعود وبين أخيه السلطان محمود بالقرب من همدان والري وانهزم الملك مسعود كان أول من أخذ الطغرائي فلما عزم السلطان أخو مخدومه على قتله بعد أن قيل له عنه شياء من جملتها أنه ملحد وأنه يحب المملوك الفلاني من مماليك السلطان ممن كان السلطان يحبه ويميل إليه فأغروه عليه إلى أن أمر بقتله وأن يشد إلى شجرة وأن يقف تجاهه جماعة ليرموه بالسهام ففعل ذلك وأوقف إنساناً خلف الشجرة من غير أن يشعر به الطغرائي وأمره أن يسمع ما يقول وقال لأرباب السهام لا ترموه إلا إذا أشرت عليكم فوقفوا والسهام في أيديهم مفوقة لرميه وأخبرني بعض من حكى لي هذه الحكاية من أهل الأدب أن أول من فوق إليه السهم المملوك المتيم هو بحبه فأنشد الطغرائبي في تلك الحالة يقول:

ولقد أقول لمن يسدد سهمه ... نحوي وأطراف المنية شرع

والموت في لحظات أحور طرفه ... دوني وقلبي دونه يتقطع

بالله فتش عن فؤادي هل ترى ... فيه لغير هوى الأحبة موضع

أهون به لو لم يكن في طيه ... عهد الحبيب وسره المستودع

فمر السلطان بإطلاقه وحل وثاقه لما رآه من ثبات جنانه وسحر بيانه وقد زاد هذا العاشق على من تقدمه من المتصفين بهذا الوصف كابن عطاء السندي حيث يقول:

ذكرت والخطى يخطر بيننا ... وقد نهلت مني المثقفة السمر

فوالله ما أدري وإني لصادق ... أداء عراني من خيالك أم سحر

وقال عنترة:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف ... لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

وما أرق قول الطغرائي أيضاً:

إني لأذكركم وقد بلغ الظمأ ... مني فأشرق بالزلال البارد

وأقول ليت أحبتي عاينتهم ... قبل الممات ولو بيوم واحد

وقال آخر:

ذكرت سلمى وحر الوغا ... كقلبي ساعة فارقتها

فشبهت سمر القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها

وقال ابن تميم:

ألا من يبلغ المحبوب أني ... وقفت وللظي حولي ضئيل

وأني جلت جيش الأعادي ... برمحي وهو في فكري يجول

وقال أيضاً:

ولقد ذكرتك والصوارم لمع ... من حولنا والسمهرية شرع

وعلى مكافحة العدو ففي الحشا ... شوق إليك تضيق عنه الأضلع

ومن الصبا وهلم جرا شيمتي ... حفظ الوداد وكيف عنه أرجع

وقال الشريف البياضي:

ولقد ذكرتك والطبيب معبس ... والجرح منغمس به المسبار

وأديم وجهي قد فراه حديده ... ويمينه حذراً على يسار

فشغلتني عما لقيت وأنه ... لتضيق منه برحبها الأقطار

وقال ابن رشيق:

ولقد ذكرتك في الشفينة والردى ... متلاطم متوقع الأمواج

والجو يهطل ةالرياح عواصف ... والليل مسود الذوائب داجي

وعلى السواحل للأعادي عسكر ... يتوقعون لغارة وهياج

وعلت لأصحاب السفينة ضجة ... وأنا وذكرك في ألذ تناجي

وقال أبو الثناء محمود:

ولقد ذكرتك والسيوف لوامع ... والموت يرقب تحت حصن المرقب

والحسن في شفق الدروع تخاله ... حسناء ترفل في رداء مذهب

والموت يلعب بالنفوس وخاطري ... يلهو بطيب ذكرك المستعذب

وقال صفي الدين الحلي:

<<  <   >  >>