يسقي ثمر غروسها ويروي المجدب من طروسها.
بعينين نجلاوين لو رقرقتهما ... لنوء الثريا لاستهل سحابها
ومنا بقي إلا ذكر مصارع العشاق وأخبار من أصبح من المحبين ميتاً بالأشواق.
إن لم أمت في هوى الأجفان والمقل ... فوا حيائي من العشاق واخجلي
ما أطيب الموت في عشق الملاح كذا ... لا سيما بسيوف الأعين النجل
يا صاحبي إذا ما مت بينكما ... دون الشهيين ورد الخد والقبل
فاستغفرا لي وقولا عاشق غزل ... قضى صريع القدود الهيف والمقل
وقال بلدينا محمد بن العفيف التلمساني رحمه الله:
للعاشقين بأحكام الغرام رضا ... فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا
روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا ... عهد الوفا للذي للعهد ما نقضا
قف واستمع راحماً أخبار من قتلوا ... فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا
رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا ... فسام صبراً فأعيا نيله فقضى
وقال جرير:
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال آخر:
ما زال يهوى المقلا ... قلبي إلى أن قتلا
الحمد لله الذي ... مات وما قيل سلا
وقال آخر:
ترى المحبين صرعى في ديارهم ... كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
قوم إذا هجروا من بعد ما وصلوا ... ماتوا فإن عاد من يهوونه بعثوا
وقال محمد الواعظ:
دعا لومي فلومكما معاد ... وقتل العاشقين له معاد
ولو قتل الهوى أهل التصابي ... لما ماتوا ولو ردوا لعادوا
خاتمة الكتاب في ذكر من مات من حبه وقدم على به من صغير وكبير وغني وفقير على اختلاف ضروبهم وتباين مطلوبهم ولأجل ذكرهم أسست قواعد هذا الكتاب ودخلت فيه من باب وخرجت من باب لأتوصل منه إلى ذكر من ساقه الهجر إلى السياق وتحمل من العشق ما لا طاقة له به من الباب إلى الطاق ومن هنا أشرع في ذكر مصارعهم وعرض بضائعهم إذ منهم الخاسر والرابح والصالح والطالح فمنمهم شقي وسعيد ومنهم قتيل وشهيد.
وحكى أبو الفرج بن الجوزي قال ذكر لي شيخنا أبو الحسن علي بن عبد الله أن رجلاً عشق نصرانية حتى غلب على عقله فحمل إلى البيمارستان وكان له صديق يترسل بينهما فلما زاد به الأمر ونزل به الموت قال لصديقه قد قرب الأجل ولم ألق فلانة في الدنيا وأخشى أن أموت على الإسلام ولا ألقاها فتنصر فمات فمضى صديقه إلى النصرانية فوجدها عليلة فقالت أنا ما ألقيت صاحبي في الدنيا وأريد أن ألقاه في الآخرى وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ثم ماتت قلت لم أسمع بأغرب من هذه الحكاية ولا أعظم من هذه النكاية قد سبق على صاحبها الكتاب وضرب بينه وبين محبوبته بسور له باب فابتلى من فراق محبوبته ودينه بداءين ودارت عليه دائرة السوء في الدارين وكيف لا وقد ورد بكسادة في الحب دار البوار وأصبح بكفره وإسلامها على شفى جرف هار.
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
ذكرت بهذه الحكاية قول عبد الوهاب الأزدي يرثي حبيب له نصرانياً وأحسن ما شاء حيث قال:
أخي بوداد لا أخي بديانة ... ورب أخ في الود مثل نسيب
وقالوا أتبكي اليوم من ليس صاحبا ... غداً إن هذا فعل غير لبيب
فقلت لهم هذا أو أن تلهفي ... وشدة إعوالي وفرط نحيبي
ومن أين لي أبكي حبيباً فقدته ... إذا خاب منه في المعاد نصيبي