للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدالته وَأما الْأَخْبَار المتواترة كالإخبار عَن وجود مَكَّة وَغَيرهَا فقد حُكيَ عَن قوم أَنه لَا علم إِلَّا بالحواس دون الْإِخْبَار وَالَّذِي يبطل قَوْلهم وجد اننا أَنْفُسنَا معتقدة وجود مصر وخراسان سَاكِنة إِلَى غير ذَلِك عِنْد تَوَاتر الْأَخْبَار علينا بهَا فَجرى مجْرى الْمعرفَة بالمشاهدات وَيُفَارق مَا يرويهِ الْوَاحِد والاثنان وَمن خَالف فِي أَنا معتقدون لذَلِك واثقون بِهِ فقد دفع مَا نجده فَلَا وَجه لمكالمته وَلَيْسَ لَهُم أَن يَقُولُوا لَو وَقع الْعلم بالأخبار المتواترة لوقع عِنْد الْخَبَر الأول وَالثَّانِي لِأَن من يَقُول وَإِن الْعلم لمخبر هَذِه الْأَخْبَار مكتسب يَقُول إِن شَرط اكتسابه حَاصِل فِي التَّوَاتُر دون الْآحَاد وَمن يَقُول إِنَّه ضَرُورِيّ يَقُول إِن الله سُبْحَانَهُ اخْتَار فعله عِنْد التَّوَاتُر دون الْآحَاد وَله أَن يَقُول مَا ذكره السَّائِل يجْرِي مجْرى الشّبَه وَالْعلم الضَّرُورِيّ لَا يَنْتَفِي بِمَا يجْرِي مجْرى الشّبَه أَلا ترى أَن الْعلم بالمدركات لَا يَنْتَفِي باخْتلَاف المناظر

وَاخْتلف النَّاس فِي الْعلم الْوَاقِع عِنْد التَّوَاتُر فَقَالَ شيخانا أَبُو عَليّ وَأَبُو هَاشم إِنَّه ضَرُورِيّ غير مكتسب وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَلْخِي إِنَّه مكتسب وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي أصُول الْفِقْه وَنحن نؤمن إِلَى القَوْل فِيهِ لِأَن النَّاس قد ذَكرُوهُ فِي أصُول الْفِقْه ونحيل باستيفائه على مَا ذَكرْنَاهُ فِي شرح الْعمد فَنَقُول إِن الِاسْتِدْلَال هُوَ تَرْتِيب عُلُوم يتَوَصَّل بِهِ إِلَى علم آخر فَكل مَا وقف وجوده على تَرْتِيب عُلُوم فَهُوَ مستدل عَلَيْهِ وَالْعلم الْوَاقِع بالتواتر هَذِه سَبيله لأَنا إِنَّمَا نعلم مَا أخبرنَا بِهِ إِذا علمنَا أَن الْمخبر لم يخبر عَن رَأْيه بل أخبر عَمَّا لَا لبس فِيهِ وَأَنه لَا دَاعِي لَهُ إِلَى الْكَذِب فنعلم أَنه لم يتَعَمَّد الْكَذِب لعلمنا أَنه لَا دَاعِي لَهُ إِلَى الْكَذِب ونعلم أَنه لَا يجوز كَونه كذبا وَإِن لم يتعمده لعلمنا بظهوره وارتفاع اللّبْس فِيهِ فَإِذا فسد كَونه كذبا ثَبت كَونه صدقا وَمَتى اخْتَلَّ شَرط من هَذِه الشُّرُوط لم نعلم صِحَة الْخَبَر

وَالْقَوْل بعد هَذَا إِن ذَلِك طَرِيق يُمكن مثله فِي كل الْعُلُوم وَأقوى مَا يذكرهُ الذاهبون إِلَى القَوْل الأول محتجين ومعترضين على مَا ذكرنَا هُوَ أَن الْوَاحِد منا

<<  <  ج: ص:  >  >>