للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلم وجود الصين وَلَا يعلم أَنه اخبره بذلك كَثْرَة وَذَلِكَ بَاطِل لِأَن الْإِنْسَان يعلم فِي الْجُمْلَة أَنه قد أخبرهُ بذلك من لَا دَاعِي لَهُ إِلَى الْكَذِب وَإِن لم يعلم أعيانهم وَيعلم أَن كل من يسْأَله عَن الصين إِمَّا أَن يُخبرهُ عَن مُشَاهدَة أَو عَن خبر من شَاهده وَيعلم أَنه لَا يجوز أَن لَا يكون لوُجُود الصين أصل ويتصل الْأَخْبَار عَنْهَا للأزمان الطَّوِيلَة وَلَا يظْهر كذبهَا لأحد من النَّاس وَلَا يجوز أَن يظْهر كذبهَا وَلَا يتحدث بِهِ وَيظْهر الْخلاف فِيهِ وَالْإِنْكَار لَهُ فينتشر

وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن الْعلم الْوَاقِع بالتواتر لَا يَنْتَفِي بالشبه وَهَذِه عَلامَة الضَّرُورِيّ وَهَذَا غير مُسلم لِأَن الْعُلُوم الْمُجَاورَة للضرورية لَا تَنْتفِي بالشبه وَهِي مكتسبة

وَاحْتَجُّوا بَان من لَيْسَ من أهل النّظر كالمراهقين والعوام يعْرفُونَ الْبلدَانِ فَعلم أَن ذَلِك غير وَاقع عَن نظر وَالْجَوَاب أَن النّظر فِي ذَلِك لَيْسَ هُوَ إِلَّا تَرْتِيب الْعُلُوم بأحوال المخبرين وَهَذَا الْقدر يحصل للعامة والمراهقين لِأَن هَؤُلَاءِ لَا يمْتَنع أَن يَتَرَتَّب فِي أنفسهم كثير من الْعُلُوم وَيحصل لَهُم عَن ذَلِك عُلُوم أخر

وَاحْتَجُّوا بِأَن اعتقادنا للاستغناء عَن النّظر فِي الْعلم بالبلدان يصرفنا عَن النّظر فِيهِ فَيجب أَن لَا يَقع منا وَذَلِكَ يخْتل كوننا عَالمين بهَا والمعلوم خِلَافه وَالْجَوَاب أَن الِاسْتِدْلَال على ذَلِك لَيْسَ هُوَ أَكثر من تَرْتِيب عُلُوم بأحوال المخبرين على مَا ذكرنَا وَذَلِكَ يحصل عِنْد سَماع الْمخبر الْمُتَوَاتر لأَنا نعلم كثرتهم وَامْتِنَاع تواطئهم واتفاق الْكَذِب مِنْهُم وَيعلم ظُهُور الْمخبر وارتفاع اللّبْس فِيهِ وَالْعلم بِصِحَّة الْمخبر عَنهُ يَقع عِنْد ذَلِك من غير استيناف نظر بعد مَا ذَكرْنَاهُ فَهَذَا هُوَ القَوْل فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر

فَأَما إِذا أخبر الْوَاحِد بِشَيْء لَا لبس فِيهِ بِحَضْرَة جمَاعَة لَا يتَعَمَّد مثلهَا الْكَذِب فَادّعى مشاهدتها لذَلِك وَلم يصرفهَا عَن تَكْذِيبه صَارف بدين وَلَا رهبة وَلَا رَغْبَة فَسَكَتَتْ عَن تَكْذِيبه فانه يعلم صدقه لِأَن استشهاده بهَا إِنَّمَا هُوَ طلب

<<  <  ج: ص:  >  >>