للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يلام من حكم بذلك وَلِأَن هَذِه الْأَشْيَاء قد تتَنَاوَل الْحق كَمَا تتَنَاوَل الْبَاطِل وَلِأَن الظَّن لَا عَن أَمارَة لَا يتَمَيَّز من ظن السوداوي

وَالْكَلَام فِي الِاسْتِحْسَان على مَا فسره أَصْحَاب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يَقع فِي الْمَعْنى وَيَقَع فِي الْعبارَة أما فِي الْمَعْنى فَهُوَ أَن بعض الأمارات قد يكون أقوى من بعض وَيجوز الْعُدُول من أَمارَة إِلَى أُخْرَى من غير أَن تفْسد الاخرى وَذَلِكَ رَاجع إِلَى تَخْصِيص الْعلَّة وَقد تقدم القَوْل فِي ذَلِك وَمن الْكَلَام فِي الْمَعْنى الْكَلَام فِي حد الِاسْتِحْسَان وَأما الْكَلَام فِي الْعبارَة فَهُوَ أَن لتسميتهم ذَلِك اسْتِحْسَانًا وَجه صَحِيح

وَأما حد الِاسْتِحْسَان فقد اخْتلف فِيهِ فحده بَعضهم بانه الْعُدُول عَن مُوجب قِيَاس إِلَى قِيَاس أقوى مِنْهُ وَهَذَا بَاطِل لأَنهم يستحسنون إِذا عدلوا إِلَى نَص كَمَا لَا يستحسنون أَن لَا قَضَاء على الْآكِل نَاسِيا فِي صَوْمه وتركهم الْقيَاس فِي ذَلِك للْخَبَر وَحده بَعضهم بِأَنَّهُ تَخْصِيص قِيَاس بِدَلِيل هُوَ أقوى مِنْهُ وَهَذَا بَاطِل لأَنهم قد يعدلُونَ فِي الِاسْتِحْسَان عَن قِيَاس وَعَن غير قِيَاس وَحده بَعضهم بِأَنَّهُ ترك طَريقَة للْحكم إِلَى أُخْرَى أولى مِنْهَا لولاها لوَجَبَ الثَّبَات على الأولى ويقرن هَذَا من وَجه أبي الْحسن رَحمَه الله وَهُوَ قَوْله الِاسْتِحْسَان هُوَ ان يعدل الْإِنْسَان عَن أَن يحكم فِي الْمَسْأَلَة بِمثل مَا حكم بِهِ فِي نظائرها إِلَى خِلَافه لوجه هُوَ أقوى من الأول يَقْتَضِي الْعُدُول عَن الأول وَهَذَا يلْزم عَلَيْهِ أَن يكون الْعُدُول عَن الْعُمُوم إِلَى التَّخْصِيص اسْتِحْسَانًا وَيلْزم عَلَيْهِ أَن يكون الْقيَاس الَّذِي يعدل إِلَيْهِ عَن الِاسْتِحْسَان اسْتِحْسَانًا

وَيَنْبَغِي أَن يُقَال الِاسْتِحْسَان هُوَ ترك وَجه من وُجُوه الِاجْتِهَاد غير شَامِل شُمُول الْأَلْفَاظ لوجه هُوَ أقوى مِنْهُ وَهُوَ فِي حكم الطارىء على الأول وَلَا يلْزم على ذَلِك قَوْلهم تركنَا الِاسْتِحْسَان باقياس لِأَن الْقيَاس الَّذِي تركُوا لَهُ الِاسْتِحْسَان لَيْسَ فِي حكم الطارىء بل هُوَ الأَصْل وَلذَلِك لم يصفوه بِأَنَّهُ اسْتِحْسَان وَإِن كَانَ أقوى فِي ذَلِك الْموضع مِمَّا تَرَكُوهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>