للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأولون قَالُوا إِنَّهَا إِذا كثرت فروعها كثرت فائدتها فَكَانَت أولى وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا يجب أَن يكون أولى إِذا كثرت فوائدها الشَّرْعِيَّة وَكَثْرَة فروعها ترجع إِلَى اخْتِيَار الله تَعَالَى خلق الْأَنْوَاع الَّتِي تخْتَص تِلْكَ الْعلَّة وَلَيْسَ ذَلِك بِأَمْر شَرْعِي

وَاحْتج من لم يرجح بذلك بِأَن قَالَ لَو كَانَ أَعم العلتين بِالْأَخْذِ أولى لَكَانَ أَعم الخطابين أولى بِالْعَمَلِ وَالْجَوَاب إِنَّه إِنَّمَا لم يكن أَعم الخطابين أولى بل كَانَ أخصهما أولى لِأَن الْأَخْذ بأخصهما لَيْسَ فِيهِ إطراح لأعمهما وَالْأَخْذ بأعمهما فِيهِ إطراح لأخصهما وَأما العلتان فانهما إِذا انتهتا إِلَى التَّرْجِيح لم يُمكن الْجمع بَينهمَا وَأيهمَا اسْتعْملت اطرحت الْأُخْرَى فَكَانَ اطراح مَا قل حكمه لقلَّة فروعه أولى

وَقَالُوا أَيْضا يَنْبَغِي أَن تصح الْعلَّة فِي الأَصْل وَإِذا صحت أجريت فِي الْقُوَّة قلت أَو كثرت وَالْجَوَاب إِنَّه إِنَّمَا ترجح الْعلَّة على الْعلَّة إِذا شهد لثُبُوت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَمارَة وَلَا معنى لقولكم يَنْبَغِي أَن تثبت الْعلَّة فِي الأَصْل

وَقَالُوا ايضا كَثْرَة الْفُرُوع ترجع إِلَى كَثْرَة مَا خلق الله مِمَّا يُوجد فِيهِ الْعلَّة وَلَيْسَ ذَلِك بِأَمْر شَرْعِي فَيَقَع بِهِ التَّرْجِيح وَلَيْسَ كَذَلِك كَثْرَة أَنْوَاع الاصول لِأَن الأَصْل شَاهد لِلْعِلَّةِ فكثرة مَا يشْهد لَهَا تقويها وَالْفرع لَا يشْهد لِلْعِلَّةِ بل حكمه تَابع لَهَا

وَأما تَرْجِيح الْعلَّة بِمَا يرجع إِلَى الأَصْل وَالْفرع فَهُوَ أَن تكون إِحْدَى العلتين يرد بهَا الْفَرْع إِلَى مَا هُوَ من جنسه كرد كَفَّارَة إِلَى كَفَّارَة وَالْأُخْرَى يرد بهَا الْفَرْع إِلَى مَا لَيْسَ من جنسه كرد كَفَّارَة إِلَى غير كَفَّارَة فَتكون الأولى أولى وَهُوَ مَذْهَب أبي الْحسن وَأكْثر الشَّافِعِيَّة لِأَن الشَّيْء أَكثر شبها بِجِنْسِهِ مِنْهُ بِغَيْر جنسه وَالْقِيَاس يتبع الشّبَه فكثرته تقَوِّي الظَّن وَإِن لم تكن تِلْكَ الْوُجُوه عِلّة وَبِالْجُمْلَةِ رد الشَّيْء إِلَى مَا هُوَ أشبه بِهِ أولى وَلذَلِك كَانَ رد كشف الْعَوْرَة إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>