للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبرنَا أَحدهمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي الْكَعْبَة مَعَ أَنه لم يدخلهَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَأَنه لم يَنْفَكّ الرَّاوِي من مشاهدته لَهُ مُنْذُ دَخلهَا إِلَى أَن خرج مِنْهَا وَأخْبرنَا آخر أَنه رَآهُ يُصَلِّي فِيهَا فانا نشك هَل صلى فِيهَا أَو لم يصل فِيهَا وَلَا نظن أَحدهمَا وَلَا كل وَاحِد مِنْهُمَا أما أَنا لَا نظن وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَط فَلِأَن الظَّن هُوَ تَغْلِيب أحد المجوزين على الآخر وَإِنَّمَا يغلب أَحدهمَا ويترجح بأمارة ترجحه فاذا كَانَ فِي أحد المجوزين من الأمارة مثل مَا فِي الآخر لم يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر وَكَيف يتَرَجَّح أَحدهمَا على الآخر وَنحن نجوز من خطأ أحد المخبرين مثل مَا نجوز من خطأ الْمخبر الآخر فَأَما أَنا لَا نظن كل وَاحِد مِنْهُمَا فَلِأَن الظَّن هُوَ تَغْلِيب أحد المجوزين على نقيضه فاذا قُلْنَا هَذَا التجويز أغلب وَأظْهر من الآخر أَفَادَ زِيَادَته على الآخر وَإِذا قُلْنَا كل وَاحِد مِنْهُمَا ظن غَالب للْآخر أَفَادَ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا زَائِد على الآخر وكل وَاحِد مِنْهُمَا نَاقص عَن الآخر وَهَذَا محَال وَإِذا لم يحصل عِنْد ذَلِك ظن وَكَانَ الحكم مَوْقُوفا على الظَّن لم يجز الحكم وَهَكَذَا لقَوْل فِي الأمارات المستنبطة

وَأما أَنه لَا يجوز أَن لَا نحكم فِي الْمسَائِل إِلَّا بِحكم شَرْعِي بِالْإِجْمَاع لِأَن النَّاس على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يجب أَن نحكم فِيهَا بِحكم شَرْعِي معِين غير التَّخْيِير وَالْآخر أَنه يجب أَن نحكم فِيهَا إِمَّا بِحكم معِين وَإِمَّا بالتخيير فان قيل هلا قُلْتُمْ إِنَّه يجوز أَن يحكم فِي الْمَسْأَلَة بالأحوط أَو بِحكم الْعقل أَو بالحكم الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ ناقل قيل هَذَا رُجُوع إِلَى أَن الأمارتين لَا تتساويان لِأَنَّهُ لَيْسَ يَخْلُو حكم أَحدهمَا من أَن يكون هُوَ الحكم الْعقلِيّ وَمَا عداهُ شَرْعِي وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون أَحدهمَا حظرا وَالْآخر مُبَاحا أَو وَإِذا أقررتم أَنه يلْزم الْمصير إِلَيْهَا فقد اقررتم بِأَن الأمارتين لَا تتعادلان عِنْد الْمُجْتَهد إِذا استوفى الِاجْتِهَاد

فان قيل فَهَلا قُلْتُمْ بالتخيير إِذا تعادلت الأمارتان قيل لَا يجوز ذَلِك لِأَن التَّخْيِير هُوَ يُفِيد لحكم كل وَاحِد من الأمارتين وَذَلِكَ لَا يجوز مَعَ تجويزنا ان يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا غير أَمارَة وَانْتِفَاء ظننا يبين ذَلِك أَنه إِذا تعادلت

<<  <  ج: ص:  >  >>