للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما وجدوا مطرح نواهم قال: هذه بنو الحارث بن ثعلبة، يأسر أحدهم عقاص المرأة، ويفدي بالمئة، عليكم القوم. قال له ابنه: إن في بني الحارث بن ثعلبة بن فقعس، وإن تلقهم تلق القتال. فقال اسكت، فإن وجهك شبيه بوجه أمك عند البناء. فنفذ القوم.

فلما التقوا هزم جيش بشر، فأتبعته الخيل وهو مجيد - أي صاحب أفراس جياد - حتى توالى في أثره ثلاثة فوارس وما بينهم قريب. فكان أولهم سبع بن الحسحاس الفقعسي، وأوسطهم عميلة بن المقتبس الوالبي، وآخرهم خالد بن نضلة. فأدركت نبل الوالبي الأوسط فرس بشر بن عمرو برمية رماه بها فعقرته، ولحقه سبع فاعتنقه، وجاء خالد وقال: يا سبع لا تقتله فإنا لا نطلبه بدم، وعنده مال كثير، وهو سيد من هو منه.

فأجلساه بينهما واعتزل الوالبي، وأتتهم الخيل، فإذا مر به رجل أمرهم بقتله، حتى جعل بعض القوم يوعده فيزجر عنه خالد، ثم إن رجلاً هم أن يوجه إليه السنان، فنشز خالد على ركبتيه وقال: اجتنب إليك أسيري. فغضب سبع أن يدعيه خالد، فدفع سبع في نحر بشر فوقع مستلقياً فأخذ برجله ثم أتبع السيف فرج الدرع حتى خاض به كبده. فقال بشر: أجيروا سراويلي فإني لم أستعن. ثم أرسله، وعمد إلى فرسه فاقتاده. فقال حين قتله وهو غضبان: أسيرك وأسير أبيك.

فقالت الخرنق تعير عبد عمرو بن بشر حين حضض على طرفة والمتلمس:

هلا ابن حسحاسٍ قتلت وخالداً ... هنالك لم تقتل هناك ولم تشر

هم طعنوا أباك في فرج درعه ... ووليت لا تلوي على مجحر تجري

[قال ابن السيرافي قال مسكين الدارمي]

وإن ابن عم المرء فاعلم جناحهوهل ينهض البازي بغير جناح

أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح

قال س: هذا موضع المثل:

يعسجني بالخوتله ... يبصرني لا أحسبه

قدم ابن السيرافي من البيتين ما يجب أن يؤخر، وأخر ما يجب أن يقدم. والصواب:

أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح

وإن ابن عم المرء فاعلم جناحهوهل ينهض البازي بغير جناح

[قال ابن السيرافي قال الأعشى]

أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما ... يضم إلى كشحيه كفاً مخضبا

وما عنده مجد تليد ولا له ... من الريح فضلٌ لا الجنوب ولا الصبا

قال: كأنه من شدة غضبه قد قطعت كفه، فضم يده إلى جنبيه وهي مقطوعة. يقول: هذا الرجل ينظر إلي نظر غضبان كأني قد قطعت يده، وما له من مجد تليد - أي ليس له مجد قديم - ولا له من الريح فضل - أي ليست له مقدرة على جهة من الجهات -. كذا رأيته فسر. يهجو بذلك عمرو بن المنذر وقومه، وهو من بني عم الأعشى.

قال س: هذا موضع المثل:

وإن الذي يرعى هذيمٌ شياهه ... لمعترفٌ للذيب والحرب القسر

كل من عول على هذا القدر الذي ذكره ابن السيرافي، لم يستفد كبير طائل، وذلك أنه لم يذكر القصة التي جرت هذا العتاب والهجاء.

وكان سبب ذلك، أن رجلاً من قيس عيلان كان جاراً لعمرو بن المنذر بن عبدان بن حذاقة بن حبيب بن ثعلبة بن قيس بن ثعلبة، فسرقت راحلة له، فوجد بعض لحمها في بيت هداج قائد الأعشى، فضرب والأعشى جالس، فقال يعاتبهم بالقصيدة التي منها هذه الأبيات.

[قال ابن السيرافي وقال الأعشى]

نحن الفوارس يوم الحنو ضاحيةً ... جنبي فطيمة لا ميلٌ ولا عزل

قال: فطيمة هذه، هي فطيمة بنت شراحيل بن عوسجة من بني قيس بن ثعلبة قوم الأعشى، فكان لها ابنان من رجل من غير قومها يقال له أصرم، فأراد أصرم أن ينزع ابنيها ويرهنهما من يزيد بن مسهر الشيباني، فاستغاثت بقومها، فاجتمعوا وهزموا بني شيبان، ففخر بذلك الأعشى. والحنو: منعطف الوادي.

قال س: هذا موضع المثل:

قلت لما نصلا من قنةٍ ... كذب العير وإن كان برح

يعني الفرس والبعير.

هذا محال، لأن فطيمة هي بنت حبيب بن ثعلبة بن سعد بن قيس بن ثعلبة، والحنو ها هنا مكان بعينه وهو حنو قراقر الذي ذكره الأعشى بقوله:

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... وراكبها يوم اللقاء وقلت

هم ضربوا بالحنو حنو قراقرٍ ... مقدمة الهامرز حتى تولت

وقراقر: من مياه بكر بن وائل.

<<  <   >  >>