للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما قلبت اللفظة تحرجاً فيما أرى، ثم استشهد به النحويون على ظاهره. وهذه قطعة طريفة، أكتبناها أبو الندى، وذكر أنها لثروان بن فزارة بن عبد يغوث بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر. وهي:

وكائن قد رأيت من أهل دارٍ ... دعاهم رائدٌ لهم فساروا

فأصبح عهدهم كمقص قرنٍ ... فلا عينٌ تحس ولا أثار

مقص: موضع تقتص فيه الأرض. أي لا يوجد لهم ولعهدهم أثر، كما لا يوجد أثر من يمشي على صخرة وقرن جبل.

لقد بدلت أهلاً بعد أهلٍ ... فلا عجبٌ بذاك ولا سخار

فإنك لا يضرك بعد عامٍ ... أظبيٌ ناك أمك أم حمار

فقد لحق الأسافل بالأعالي ... وماج القوم واختلط النجار

وعاد الفند مثل أبي قبيسٍ ... وسيق مع المعلهجة العشار

كناية عن الرجل الوضيع، أبو قبيس: الرجل الشريف، المعلهجة: الفاسدة النسب، أي تزوجت هذه المعلهجة ومهرت مهر الشريفة. كذا أنشدناه أبو الندى: وعاد الفند ورواية الناس العبد وذكر أبو الندى أنه تصحيف.

[قال ابن السيرافي قال الزرافة الباهلي]

هل في القضية أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب

وإذا تكون كريهةٌ أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب

عجبٌ لتلك قضيةً وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب

قال س: هذا موضع المثل:

وأين المحيا من بلاد المسلم

ما بين الصواب وما ذكره ابن السيرافي في هذه الأبيات:

أبعد من رهوة من نساح

ونساح غير منون، ورهوة بنجد، ونساح باليمامة. وذلك أنه زعم أن هذه الأبيات للزرافة الباهلي، ولم يخلق الله في باهلة من اسمه زرافة، بلى في بني أسد شاعر يقال له زرافة، وهو القائل:

ومن لا ينل حتى يسد خلاله ... يجد شهوات النفس غير قليل

وذكر أبو عبيدة في كتاب العققة والبررة أن هذه الأبيات لهني بن أحمر الكناني، فأنكر أبو للندى ذلك وقال: إنها لعمرو بن الغوث بن طيء، وقد كنت ذكرت لك أن من لم يتقن علم النسب والأيام ومنازل العرب، ثم أقدم على تفسير هذا الشعر العتيق افتضح.

أكتبنا أبو الندى رحمه الله قال: بينا طيئ ذات يوم جالساً مع ولده بالجبلين، إذ أقبل رجل من بقايا جديس، ممتد الخلق، عادي الجبلة، كاد يسد الأفق طولاً ويفرعهم باعاً، وإذا هو الأسود بن عفار بن الصبور الجديسي، الذي نجا من حسان تبع يوم اليمامة، فلحق بالجبلين فقال لطيئ: من أدخلكم بلادي وإرثي من آبائي، اخرجوا عنها وإلا فعلت وفعلت. فقال طيئ: البلاد بلادنا وملكنا في أيدينا، وإنما ادعيتها حين وجدتها خلاءً. قال الأسود: اضرب بيننا وبينك وقتاً نقتتل فيه، فأينا غلب استحق البلد.

فاتعدا لوقتٍ، فقال طيئ لجندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ، وأمه جديلة بنت سبيع من حمير وبها يعرفون، فهم جديلة طيئ، وكان طيئ لها مؤثرا. فقال لجندب هذا: قاتل عن مكرمتك. فقالت أمه: الله، لتتركن بنيك، ولتعرضن ابني للقتل، لا يفعل. فقال طيئ: ويحك، إنما خصصته بذلك، فأبت.

فقال طيئ لعمرو بن الغوث بن طيئ: فدونك يا عمرو الرجل فقاتله. فقال عمرو لا أفعل، وأنشأ يقول في ذلك - وهو أول من قال الشعر في طيئ بعد طيئ -:

يا طيء أخبرني فلست بكاذب ... وأخوك صادقك الذي لا يكذب

أمن القضية أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب

وإذا الشدائد بالشدائد مرةً ... أجحرنكم فأنا الحبيب الأقرب

عجباً لتلك قضيةً وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب

ولكم معاً طيب المياه ورعيها ... ولي الثماد ورعيهن المجدب

هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب

وإذا تكون كريهةٌ أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب

<<  <   >  >>