للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوجيه العقدي الصحيح لهذه النازلة كالآتي:

أولاً: لا يجوز لنا مطلقاً أن نحكم عقولنا في نصوص الكتاب والسنة فنرد هذا ونقبل هذا، فما ثبت عن الله ورسوله يجب الأخذ به، ولابد من التسليم بأنه لا يكون في هذا الكون إلا ما أراد الله، فلا مرض ولا آفة ولا وباء إلا ما يريده الله ويكتبه، وما في هذا الكون من المخلوقات والموجودات: من الأعيان، والذوات والصفات، والأفعال، والأمراض والآفات فالله أراد وجودها؛ لأنه لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وهو المالك، المدبر، المسير، وحكمته في وجودها لا يعلمها إلا هو.

كما لا يجوز مطلقاً استعمال العقل في مخالفة النص؛ لأن الله قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} [الأحزاب: ٣٦]، قال ابن القيم -رحمه الله-: فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه، ورضاه بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً (١).

ومن الآيات الدالة أيضاً قوله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]، أي: فلا نعارضه بعقل ولا رأي ولا هوى ولا غيره، فقد أقسم الرب سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن هؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول، وقد شهدوا هم على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه وإن آمنوا بلفظه (٢).

ثانياً: أن عقل الإنسان وعلمه لا يستطيع إدراك حكمة الله من خلق المخلوقات، وإيجاد الموجودات، ومنها الأمراض والآفات.

يقول الشاطبي -رحمه الله-: إن الله جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون. إذ لو كان كيف كان يكون؟ فمعلومات الله لا تتناهى، ومعلومات العبد متناهية، والمتناهي لا يساوي ما لا يتناهى، وقد دخل في هذه الكلية ذوات


(١) مدارج السالكين، (٢/ ١٨٥).
(٢) ينظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، ابن القيم، (٣/ ٨٢٨).

<<  <   >  >>