للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن حجر -رحمه الله-: أما الوباء فهو فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده، قلت: فهذا ما بلغنا هذا ما بلغنا من كلام أهل اللغة وأهل الفقه والأطباء في تعريفه، والحاصل أن حقيقته ورم ينشأ عن هيجان الدم، أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده، وإن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء، يسمى طاعوناً بطريق المجاز؛ لاشتراكهما في عموم المرض، أو كثرة الموت (١).

وقال السيوطي -رحمه الله-: الوباء غير الطاعون .. ، والطاعون اختص بكونه شهادة ورحمة ودعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف الوباء (٢).

وقال الهيتمي -رحمه الله-: وبه يعلم أن الطاعون أخص من الوباء مطلقاً، فكل طاعون وباء، ولا عكس، .. واستدل بعضهم بأنه صح أن المدينة لا يدخلها الطاعون، وصح عن عائشة -رضي الله عنها- عنها أن المدينة أوبى أرض الله، وعن بلال - رضي الله عنه - أن المدينة أرض الوباء؛ فيلزم أن الطاعون غير الوباء (٣).

والذي يترجح في هذه المسألة والله أعلم هو القول الثاني، أي: قول علماء الشريعة من أهل الحديث والفقه الذين قالوا بالتفريق بين الطاعون والوباء، وأن كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً، وأن الوباء يشمل الطاعون وغيره من الأمراض، وبينهما عموم وخصوص.

ومن الأدلة التي تؤيد هذا القول ما يلي:

أولاً: الطاعون لا يدخل المدينة: فثبت في الأحاديث أن الطاعون لا يدخل المدينة، بينما الوباء يدخل المدينة، وقد ورد أنه دخل المدينة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الأحاديث التالية:

فعن أبي عسيب - رضي الله عنه - مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتاني جبريل بالحمى، والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي، ورحمة، ورجس على الكافر» (٤).


(١) فتح الباري، (١٠/ ١٨٠ - ١٨١).
(٢) ما رواه الواعون في أخبار الطاعون، ص (١٦٨).
(٣) الفتاوى الفقهية الكبرى، (٤/ ٢١).
(٤) رواه أحمد في مسنده، ح (٢٠٧٦٧)، (٣٤/ ٣٦٦)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، ح (٤٦٦)، (١/ ٣٤٢)، والدولابي في الكنى والأسماء، ح (٢٦٨)، (١/ ١٣١)، والطبراني في الكبير، ح (٩٧٤)، (٢٢/ ٣٩١)، وقال الألباني في صحيح الجامع، (١/ ٧٣): صحيح، وقال الأرناؤوط في حاشية المسند، (٣٤/ ٣٦٦): إسناده صحيح.

<<  <   >  >>