للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتوجيه العقدي لهذه النازلة كالآتي:

أن القول بأن الفيروس من صنع البشر من الألفاظ التي لا يجوز إطلاق الحكم فيه بل لابد من التفصيل فيه كالآتي:

أولاً: إن كان القصد أنهم خلقوا الفيروس من العدم فهذا ممنوع؛ لأنه يلزم من ذلك إثبات أن هناك خالق غير الله، والاعتقاد الصحيح أن الفيروس من خلق الله كما قال تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)} [الرعد: ١٦]، وهذا استفهام إنكار، أي: ليس الأمر على هذا حتى يشتبه الأمر، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق، وسائر الشركاء لا يخلقون خلقا يتشابه بخلق الله (١).

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣)} [فاطر: ٣]، هذا استفهام على طريق التقرير كأنه قال لا خالق غير الله (٢)

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَاقَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)} [الحج: ٧٤]، فإن جميع ما تعبدون من دون الله من الآلهة والأصنام لو جمعت لم يخلقوا ذبابا في صغره وقلته، لأنها لا تقدر على ذلك ولا تطيقه، ولو اجتمع لخلقه جميعها (٣).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة» (٤).

ومعناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى، وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير أي: ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد


(١) ينظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد، الواحدي، (٣/ ١٢).
(٢) ينظر: معالم التنزيل في تفسير القرآن، البغوي، (٣/ ٦٨٨).
(٣) ينظر: تفسير الطبري، (١٨/ ٦٥٨).
(٤) رواه البخاري، ح (٧٥٥٩)، (٩/ ١٦١)، ومسلم، ح (٢١١١)، (٣/ ١٦٧١).

<<  <   >  >>