للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أَما المغيرة: فهي أَشهرها وأَكثرها نفعا في الصناعتين. وأَما التغيير أَن يكون المقصود يدل عليه لفظٌ ما فيستعمل بدل ذلك اللفظ لفظٌ آخر. وهذا التغيير يكون على ضربين: أَحدهما: أَن يستعمل لفظ شبيه الشيء مع لفظ الشيء نفسه ويضاف إِليه الحرف الدال في ذلك اللسان على التشبيه؛ وهذا الضرب من التغيير يسمى التمثيل والتشبيه، وهو خاص جدا بالشعر.

والنوع الثاني من التغيير: أَن يؤتى بدل ذلك اللفظ بلفظ التشبيه به أَو بلفظ المتصل به من غير أَن يؤتى معه بلفظ الشيء نفسه. وهذا النوع يسمى في هذه الصناعة الإِبدال، وهو الذي يسميه أَهل زماننا بالاستعارة والبديع، مثل قول ابن المعتز:

يا دار أَين ظباؤك اللُّعْس ... قد كان لي في إِنسها أُنس

فإِن العرب جرت عادتهم أَن يشبهوا النساء بالظباءِ، فربما أَتوا به على جهة الإِبدال، مثل ما تقدم من قول ابن المعتز، وربما أَتوا بذلك مع حرف التشبيه. وكل واحد من صنفي التغيير: إِما بسيط وإِما مركب. وكل واحد من هذين: إِما أَن يكون وجه الاتصال فيه بينا مشهورا من أَول الأَمر، وإِما أَن يكون غير بين. وإِنما يكون غير بين لأَحد شيئين: إِما لأَنه غير بين في نفسه عند الجميع، أَو عند كثير من الأُمم، مثل كثير من التمثيلات التي جرت عادة العرب أَن يستعملوها، فإِنه يشبه أَن يكون كثير منها غير بين عند سائر الأُمم، مثل قول امرئ القيس يصف حمار الوحش:

يهيل ويُذرى تُربها ويُثيره ... إِثارة نبَّات الهواجر مُخمسِ

فإِن نبات الهواجر إِنما تعرفه العرب ومَنْ هو مثلهم ممن يسكن البراري والصحاري.

وأَما المركبة فهي خاصة بالشعر، كما أَن البسيطة خاصة بالخطابة. وأَنشد أَبو نصر في مثال المركبة البعيدة التركيب، الخفية الاتصال، بيتا نسبه لامرئ القيس:

بدلتُ من وائل وكندة عد ... وان وفهماً صَمّى ابنةَ الجبل.

قال: فإِن هذا التعبير فيه تركيب كثير. وذلك أَنه جعل " ابنة الجبل " بدلا من قوله " الحصاة "، وجعل قوله " صمى " بدلا من عدم صوت الحصاة. فإِن عدم الصوت وعدم السمع يتقاربان، فإِنه قسيمه، إِذ كان عدم السمع إِما أَن يكون عن عدم الصوت، وإِما لفساد في الحاسة. وجعل عدم صوت الحصاة بدلا من ابتلال الأَرض، فإِن الأَرض إِذا ابتلت وطرحت فيها الحصاة لم تصوت. وجعل ابتلال الأَرض بدلا من انصباب الدماء على الأَرض، فإِن ابتلال الأَرض لاحق من لواحق انصباب الدماء. وجعل انصباب الدماء عليها بدلا من القتال الشديد، لأَن انصباب الدماء يكون عن القتال الشديد. وجعل القتال الشديد بدلا من الأَمر العظيم. فكأَنه أَراد: وفيها أَمر عظيم، فأَبدل مكان ذلك: وفهما صمّى ابنة الجبل، واستعمل في ذلك هذا الإِبدال الكثير. وهذا كما قلنا إِنما يليق بالشعر.

والمستولية هي الأَلفاظ التي هي خاصة بأَهل لسان ما، ومشهورة عندهم، مبتذلة، دالة على المعاني التي وضعت لها من أَول الأَمر من غير توسط.

وأَما الغريبة فهي الأَلفاظ التي هي غير مبتذلة عند جمهورهم، وغير مستعملة عندهم بل إِنما يستعملها الخواص منهم.

وأَما اللغات فهي صنفان: أَحدهما أَن يستعمل الإِنسان مخاطبة صنف صنف من أَصناف أْمة لفظا ليس يستعمله ذلك الصنف من الأُمة، بل إِنما يستعمله صنف آخر منه، مثل أَن يستعمل الحجازي لغة حميرية. والصنف الثاني أَن يستعمل في مخاطبة أُمة ما لفظا ليس من أَلفاظ أَهل لسانهم، وإِنما هو من لسان أُمة أُخرى، مثل ما يوجد في لسان العرب أَلفاظ كثيرة من أَلفاظ الفرس والأُمم المجاورة لهم. وهذا يستعمل على وجهين: أَحدهما أَن يأتي بذلك اللفظ بعينه من غير أَن نغير بنيته وتركيبه. والوجه الثاني أَن يغيره تغييرا يقرب به من الأَبنية المستعملة في لسانهم ليسهل بذلك عليهم النطق به، مثل السّجيل وغير ذلك مما هو موجود في كتب اللغة.

وأَما المزينة والمركبة فليستا موجودتين في لسان العرب؛ وذلك أَن المزينة هي أَلفاظ جعل بعض أَجزائها نغما حتى صارت بتلك النغم مزينة. وهذا غير موجود في لسان العرب.

وأَما المركبة فإِنها أَيضا غير موجودة في لسان العرب إِلا قليلا شاذا مثل قولهم عبقسي في المنسوب إِلى عبد القيس، وعبشمي، في المنسوب إِلى عبد شمس.

<<  <   >  >>