وأَما المغلطة فهي الأَلفاظ التي يعسر النطق بها. وذلك يعرض لأَسباب: منها أَن تكون تلك الحروف حروفا يعسر النطق بها، وإِن كانت قليلة. ومنها أَن يكون سبب العسر فيها كثرة الحروف التي ركبت منها والتي يعسر النطق بها: إِما أَن يكون من أَجل مخرج الحرف نفسه، وإِن نطق به وحده، مثل كثير من حروف الحلق؛ وإِما أَن يكون العسر يحدث له عند تركيبه مع غيره، وذلك إِما لتقارب مخارجها، وهذا هو سبب الادغام في لسان العرب، وإِما لتكرارها مثل قولهم قصصت أَظفاري. ولذلك بعض العرب يبدل إِحدى الصادين ياء في مثل هذا. وربما كان السبب في ذلك تضاد المخارج، ولذلك قل في لسان العرب اسم يوجد على وزن فُعُل مثل الرسل. وأَكثر الانقلابات والتغييرات التي يصفها النحاة هذا هو سببها. وأَما الموضوعة فهي الأَلفاظ المخترعة في لسان جنس ما، يخترعها بعضُ أَهل ذلك اللسان على نحو التركيب الذي لحروفهم.
فهذه أَصناف الأَسماء النافعة في هاتين الصناعتين، وهي كالمادة للصناعتين، أَعني الشعرية والخطبية، وإِن كانت بالشعرية أَخص، ولذلك أَحصاها أَرسطو في كتاب الشعر.
وإِذ قد تقرر هذا، فالذي ينبغي أَن يبين هاهنا من أَمرها هو أَي صنف من هذه الأَصناف تستعمل هذه الصناعة وأَيها لا تستعمل. وإِذا استعملت منها صنفا، فكيف تستعمله، وإِلى أَي مقدار تنتهي في استعماله، وفي أَي موضع تستعمل منه ما تستعمل. وبالجملة: فنتحرى تلخيص ما يقوله أَرسطو في ذلك بأَوجز ما يمكننا وأَتمه، فنقول: إِنه يقول: إِن فضيلة القول الخطبي أَو الشعري وجودته إِنما تكون بالتغيير. وأَعني هاهنا بالتغيير استعمال أَصناف الأَسماء والكلم السبعة ما عدى المستولية. فإِن في كل واحد منها، ما عدى هذا الصنف، تغييرا ما. وإِنما كان القول الذي في هاتين الصناعتين فضيلته في التغيير، لأَن القول إِنما هو علامةُ معرفة لأَمرٍ ما لم يعرف أَصلا، أَو لم يعرف معرفة تامة. وإِنما يكون القول بهذه الصفة متى أَفاد في المعنى المدلول عليه أَمراً لم يكن بعدُ عند السامع، أَو إِن كان، لم يكن على التمام. وهذه هي حال القول الذي من الأَلفاظ المغيرة. فإِن القول المؤلف من الأَلفاظ المستولية ليس يفيد معنى زائدا على ما كان عند السامع، وإِنما يفيد ذلك إِذا كان مغييرا بالتخييل الذي تعطيه الأَلفاظ المغيرة. وهذا المعنى إِنما يوجد في القول بشرطين: أَحدهما أَلا تكون الأَلفاظ حقيرة وهي بالجملة الأَلفاظ المبتذَلة التي لا تخيل في المعنى أَمراً زائداً على ما كان عند السامع، أَو التي يكون تخييلها يسيرا، أَو التي تخيل في الشيءِ خسةً ما، أَو يكون تركيبها تركيبا فاسدا.
والشرط الثاني أَلا تكون مجاوزة للقدر الذي يجب بحسب المعنى الذي يطلب الإِقناع فيه. وذلك يكون إِما بأَن لا تخيل فيه معنى أَعظم مما يحتمل المعنى المقصود تبيينه، أَو يكون التغيير فيها غير بين الاتصال.
فإِذا جمع القول الخطبي أَو الشعري مع التغيير هاتين الشريطتين كان تام الفعل، وذلك هو فضيلته، وهو القول الجميل. ويشهد لوجود هذا الفعل للقول المغير الأَقاويل الشعرية، فإِنها إِنما صارت لذيذة لما فيها من التخييل والوزن، وكلاهما تغيير. وأَما الأَلفاظ المستولية فإِنها تجعل القول محققا، وليس تخيل فيه معنى زائداً. ولذلك هي أَليق بالبرهان منها بغيرها من الصنائع، إِلا أَنها متى استعملت في هذه الصنائع، فينبغي أَن يكون تركيبها تركيبا مطابقا لتركيب المعاني في النفس، أَعني التركيب الذي يكون لها على المجرى الطبيعي. وبالجملة فينبغي أَن يكون فيها من شروط التركيب الشروط التي تقال فيما بعد. وإِذا كانت بهذه الصفة كانت، كما يقول أَرسطو، بهيئة نبيلة غير حقيرة.
فهذا بالجملة هو الفرق بين فعل الأَسماء المستولية والمغيرة في القول الخطبي والشعري.