فإِن قولنا: وردية الأَطراف إِبدال حسن، وكذلك قولنا: عنابية الأَطراف. وقولنا: حمراء الأَطراف أَخس منه. وأَقبح من هذا قولنا: قرمزية الأَصابع. ولو قال فيها:" دَمّية الأَصابع " لكان أَن يكون هجوا أَقرب منه إِلى أَن يكون مدحا. ولذلك يتفاوت التخييل لتفاوت الأَمور التي وقع الإِبدال بها في الحسن والشرف. والأَشياءُ تكون شبيهة بأَحد ثلاثة أَشياءِ: إِما باشتباه المنظر في الخلق واللون، وإِما أَن تكون أَنواعها أَو أَجناسها واحدة، وإِما أَن تكون أَفعالها واحد. ولما كانت الأَقاويل الخطبية والشعرية قد تكون حكاية عن أُمور موجودة وعن أُمور غير موجودة، بل مخترعة يخترعها الشاعر أَو الخطيب، مثل الذي في كتاب دمنة وكليلة، وإِن كان الاختراع أَخص بالشعر منه بالخطابة، ولذلك فصلت أَنحاء الاختراع في كتاب الشعر، فينبغي أَن تعلم أَيضا أَن التغيير في الصنف المخترع يلحقه أَيضا من الحسن والقبح ما يلحق التغيير الذي يكون في الأُمور الموجودة. وقد يلحق ذلك أَيضا في الشيءِ الواحد بعينه، مثل ما حكى أَرسطو عن بعض القدماءِ أَنه قال في حكاية حكاها عن البغال إِنها كانت مسرورة بانضمامها إِلى بنات الخيل، على أَنها قد كانت أَيضا بنات الحمير. قال: فإِن قوله في البغال: بنات الخيل، تشريف لها، وقوله فيها: بنات الحمير تخسيس لها.
ومن التغييرات تغيير يعطى في الشيءِ الإِفراط في التصغير والتعظيم، وهي خاصة بالشعر. وينبغي أَن يستعمل من التعظيم ومن التصغير في الخطابة بقصد، مثل من يقول في ذهب ذهيب، وفي ثوب ثويب، وفي إِنسان، أُنيسيان.
والوقف في غير مكان الوقف أَو وضع العلامات التي تدل على الوقف في غير مكانها هو أَيضا ضرب من التغيير الرديء.
والأَسماءُ الباردة التي ينبغي للخطيب أَن يتجنبها أَربعة أَصناف، وهي بالجملة الأَسماءُ التي يعسر تفهم المعنى منها، أَو التي تخيل في المعنى أَحوالا زائدة على التي يحتاج إِليها.
فأَحد أَصناف الأَسماء الباردة هو أَن يستعمل من ضروب الأَسماء المركبة ما يخيل في الأَمر معنى غير مشهور ويعسر الوقوف عليه، أَو يخيل فيه عرضا بعيدا. وأَمثال هذه الأَسماء ليست توجد في لسان العرب.
والصنف الثاني استعمال اللغات وذلك على وجهين: أَحدهما أَن يستعمل منها في مخاطبة أُمة ما هو من غير لسانها، بل من لسان أُمة أُخرى غريبة منها. والثاني أَن يستعمل في مخاطبة تلك الأُمة الأَسماء الغريبة المفرطة الغرابة الموجودة في لسانها.