للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والصنف الثالث أَن يستعمل من الأَسماءِ الموضوعة، وهي المنقولة، ما لا يخيل منها المعنى الذي نقلت إِليه، للاشتراك الذي فيه والعموم وكثرة ما يدخل تحته، أَو ما يخيل منه عرض بعيد، أَو ما يخيل منه زمان غير الزمان الذي وجد فيه المعنى. فإِن هذه كلها أَسماء باردة. فمثال الاسم المشترك المنقول أَن يسمى اللبن: الأَبيض، فإِن " الأَبيض " يقال على أَشياء كثيرة بيض، فيعسر فهم ما يراد بذلك. وكذلك الشيءُ الذي ينقل إِليه اسم جنسه. وأَرسطو يحكي عن بعض القدماء أَنه كان يستعمل أَمثال هذه الأَسماء الباردة، فكان يسمى العرق " رطوبة " باسم جنسه، وكان يسمى الشهوة " الاقتداء المنكوس من النفس "، ويسمى عناية النفس " الاكتئاب ". وأَما الذي يخيل زمانا غير زمان، فمثل أَن يدل على الفعل المستقبل بالكلمة الماضية، أَو على ما وجوده في غير زمان بالكلمة الدالة على الزمان. فهذه الأَصناف لا ينبغي أَن تستعمل في الخطابة. وهي تستعمل في الشعر، أَعني التي تخيل في الشيءِ عرضا بعيدا. والأَسماءُ المنقولة أَول أَمرها تكون غريبة. وهي حينئذ أَخص بالشعر. فإِذا تمادى الزمان بها وصارت مشهورة، وصلحت للخطابة. فإِن اشتدت شهرتها، عدت في أَصناف المستولية. وهي بالجملة إِنما ينبغي أَن تستعمل في هذه الصناعة في أَحد موضعين: إِما عندما ليس يلفى للشيءِ الذي فيه القول اسم، فينقل إِليه اسم آخر، وإِن لم يقصد به أَن يستمر على طول الزمان؛ وإِما عندما يراد أَن يسمى به ذلك الشيء في الزمان المستقبل على جهة الشريعة للناس. والذي ينبغي أَن يستعمل هاهنا منها ما كان تفهيمه المعنى بسهولة، ويخيل فيه حالا بمقدار ما يحتاج إِليه في هذه الصناعة، لا ما كان منها غامضا. فإِن الغموض لا ينبغي أَن يستعمل مع من يقصد به تبصيره؛ وإِنما يستعمل مع من يقصد به أَن يغمض عليه المعنى. ولا ما كان منها أَيضا يخيل في المعنى أَمراً أَعظم مما قصد إِليه والأَسماءُ المركبة خاصة بأَصناف الأَشعار الطويلة الممدودة لكثرة الحروف التي منها تركبت. والغريبة خاصة بالأَشعار التي تقال في الأُمور العظام التي يقدم عليها مع توق وحذر، مثل الحروب. فإِن الأَسماءَ الغريبة تعطي في الشيءِ تفخيما وتعظيما. وأَما الأَسماءُ المغيرة فتليق من أَصناف الأَشعار بالأَشعار التي يقصد بها الالتذاذ وجودة التفهيم. وهذا يقال في صناعة الشعر.

وأَما الصنف الرابع من الأَلفاظ الباردة فيكون في التغييرات التي ليست بجميلة. وذلك يعرض فيها من وجوه: إِما أَن تكون من أَشياء بعيدة، وإِما أَن تكون من أَشياء قريبة، وإِما من أُمور ظاهرة، وإِما من أُمور خفية، وإِما من أُمور تخيل في الشيءِ زيادة مفرطة، أَو نقصا مفرطا، وإِما من أَشياء خسيسة، وإِما أَن يتركب أَكثر من واحد من هذه الأَنواع. ولن تعسر على من تفقد الخطب والأَشعار مثالاتُ هذه الأَنواع.

<<  <   >  >>