والمثال هو نوع ما من أَنواع التغيير. وذلك أَن من التغيير ما يكون إِلى المثال وإِلى الشبيه. وإِنما الفرق بينهما أَن في التغيير يقام المثال مقام الممثل به، وفي التمثيل يؤتى بحروف التشبيه. والمثال بالجملة، أَعني المخترع أَو الموجود، والتغيير المثالي ينبغي أَن يكون أَمرا مناسبا للمعنى الذي استعمل بدله، وبخاصة متى استعمل التغيير في أَشياء متباينة. مثل ما حكى أَرسطو أَن الشعراءَ كانوا في زمانه يسمون المشتري، ذا الكؤوس، وكانوا يسمون المريخ، ذا المجَن. وذلك أضنه لما كانوا يعتقدون أَن المشتري كوكب الأُلفة والمحبة والصداقة والصفح، والناس إِنما تكون بأَيديهم الكؤوس وهم بهذه الحال، استعاروا لبه هذا الاسم المناسب، لاعتقادهم فيه هذا الاعتقاد. ولما كان المريخ عندهم كوكب الحروب والتباغض والتقاطع، وكان الناس إِنما تكون بأَيديهم المجان والترسة عند الحروب، استعاروا له هذا الاسم. فهذان التغييران إِذن مناسبان، إِلا أَنهما من أُمور بعيدة، وأَرسطو يرى أَن تكون التغييرات الجميلة المثالية من الأُمور التي هي واحدة بالنوع، وذلك بأَن يشبه الإِنسان بالإِنسان المناسب له مثل أَن يشبه الجميل بيوسف. فإِن لم تكن واحدة بالنوع، فتكون واحدة بالجنس القريب. مثل تشبيه العرب المرأَة الحسناء بالظبية. فإِن لم يكن، فبالجنس البعيد مثل تشبيههم المرأَة الحسناء بالشمس. وأَما إِذا كان التغيير من أُمور لا ترتقي إِلى جنس واحد - وإِن كان بعيدا - فهو رديء.
فهذا هو جملة ما قيل في الأَلفاظ المفردة التي ينبغي للخطيب أَن يستعملها. ثم هو بعد هذا يذكر من أَحوال الأَلفاظ المفردة والمركبة أَشياء غير التي سلفت وذلك أَن الأَحوال التي سلف ذكرها للأَلفاظ هي أَحوال لها من حيث هي مخيلة. وأَما الأَحوال التي يذكرها بعد فهي الأَحوال التي إِذا اقترنت بالأَلفاظ كانت أَتم دلالة وأَبين إِفادة وإِفهاما، أَو الأَحوال التي هي ضد هذه، فيشير باستعمال تلك، وتجنب هذه.
قال: إِن أَول ما يحتاج إِليه الخطيب أَن يتأَدب بلسان القوم الذين هو خطيب بلسانهم ويتعلمه، حتى تكون مخاطبته في جميع أَقاويله على أَفضل ما جرت به عادة أَهل ذلك اللسان.